زايد أسطورة حياة

ت + ت - الحجم الطبيعي

كل منا يتباهى ويفتخر بلقبه، فهذا أستاذ وذلك مهندس وعالم ودكتور ووزير وشيخ وحاكم، أما زايد فالألقاب تفتخر به، فإلى اليوم وبعد أكثر من سنوات عشر مرت على ذكرى وفاته، إذا ذكر اسم زايد انصرف الذهن إلى ذاك الرجل الذي خط الأرض بعصاته فعبد طريقاً، وشق قناة، وحفر بئراً، وعمّر بنياناً، فلا يختلف على اسمه اثنان، ولا على صفة اسمه الزايد في العطاء والكرم والجود، حمل همّ قومه وشعبه، فأوفى ووفى.

زايد «رحمه الله» نبراس علم وتعلم، علم البشرية الحب والإخاء، ومعنى التضحية والرجولة، أحبه ربّه بحسن طاعته إليه وتقربه منه بتنفيذ أمره بحرصه على من ولاّه أمرهم، فتقرب لربه من هذا الباب، فأحبه الله، وأودع حبه قلب كل كبير وصغير، قاصٍ ودان، فأولادنا الصغار الذين لم تتعدَّ أعمارهم سنوات وفاته، يعرفون من هو «زايد» رغم أنه في نعيم إلى جوار ربّه، فكيف بشخص أن ينعم بهذا القبول، وتدوم ذكراه بوجود كامل وكأنه بيننا.

لقد تعالت أصوات الصراخ وهي تنادي «زايد» عندما قرر التخلي عن منصبه في الحكم مع بداية سنوات الاتحاد، فخرج الناس إليه يستقبلونه بالمطار عند عودته، ليظفروه بنصر العودة والرجوع، وليقرروا بأعلى صوت «زايد» وليس لنا سوى «زايد».

كان موقفاً مهيباً تقشعر له الأبدان، فالحب والاحتواء كانا سيد الموقف، واستجاب هذا الرجل العظيم لتلك الهتافات التي نادته باسمه متجرداً، فبذل قصارى جهده وعمل سنوات دون كلل أو ملل لإقامة صيغة اتحادية تجمع إمارات الخليج تحت سقف واحد، إلى أن أثمرت جهوده عن الإعلان رسمياً في الثاني من ديسمبر عن قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث لم يكن رجل تاريخ فقط، وإنما الشيخ زايد «رحمه الله» كان أباً رحيماً عطوفاً لنا جميعاً، أنار قلوبنا بدين الإسلام وغرس في كياننا كل دعائم وأصول الإيمان والتقوى والشفقة والمحبة والصدق مع النفس، علمنا كيف نكون أوفياء ومنصفين للمظلوم وأن نبذل جهودنا في كل حين ونستجيب لحاجات الآخرين، وألا نملك شيئاً لم نجدّ ونكدح للحصول عليه حتى لا نأخذ إلا نصيبنا من متاع الدنيا ونعيش في تفاهم ووفاق عظيم مع الجميع، فأرشدنا بحق بأن أبشع ما في الوجود أن يخضع سلوك إنسان لإرادة إنسان آخر، لأن الناس جميعا يولدون أحراراً ومتساوين في كل شيء، فالإنسان العادل الخيّر هو الذي يعرف قدر الناس، وهو الذي يدخل إليهم أكبر قدر من السعادة ويخفف عنهم الآلام.

كما أنار وجداننا بأننا إذا لم نستطع قتل خصمنا بالسيف وقتلنا كراهيته بالحب فسنكون قد قضينا على عدو، وربحناه صديقاً، وإذا عملنا بأمانة وكنا صبورين ستكون دائماً نظرتنا إلى العالم أجمع مليئة بالمحبة، دون أن ينسى تلقيننا أصول علامات الطريق للحياة الإنسانية الصالحة وهي العدل، التعاون، الإيمان، والسعي وراء الكمال بالتحلي بالفضيلة والأخلاق الكريمة حتى نكوم مؤمنين خلوقين في هذه الدنيا، وسر بقائها تحت ظلال إله واحد، عالم واحد، إخاء بشري واحد، وقانون سماوي واحد، ولم يبخل بنصيحته لنا بأن الحاكم لا يمكن أن يحمل الناس على الجد والإخلاص والصدق والمحبة والتحلي بالأخلاق الكريمة، إلا إذا كان يحمل نفسه عليها؛ لأن الحياة دائماً في توازن، فلا تسامح في قانون الأخلاق، ولو كان الآثم ملكاً أو سلطاناً أو أميراً، لذا فالحكام جميعاً يجب أن يعلموا أن السياسة هي الإصلاح حتى يكونوا من أهل الإيمان والتقوى والعدل والحكمة؛ لأنه لو كان أي منهم قد جعل صلاح نفسه أسوة حسنة لرعيته فلا يجترئ أحد على ارتكاب الجرائم أو الانحراف نحو الفساد والرذيلة.

فليس ذلك وحسب بل أدخل في ودجاننا أن نعيش ونترك غيرنا ليعيش لأننا جزء من هذه الوحدة البشرية، وكل إنسان في هذه الوحدة سواء كان داخل حدود الوطن أو خارجه هو أخ لنا مهما كانت لغته، أو مذهبه، أو لون بشرته، وهذه الأخوة ستفتح قلوبنا لنشوة المحبة والسعادة وتجعلنا نحيا بطمأنينة وبإيمان صادق، وتجعلنا قادرين على كبح جماح الفساد وغير مستسلمين للملذات والشهوات التي قد تحط من قدرنا وكياننا كبشر مؤمنين بكل الرسل والأنبياء ومعتزين دائماً بإسلامنا.

لقد تعلمنا من أبينا الشيخ زايد، رحمه الله، الكثير والكثير من القيم والعادات والمبادئ الدينية والمبادئ الأخلاقية التي غرسها في أنفسنا على مدار حياته حتى وافته المنية، وتركنا لنصمد في الحياة بالسير على خطاه مدى الأزمان.

وبحق نقول فيه:

أمنيتي أن أعلن بياني

الشيخ زايد فارس الفرسان

حلو الشمائل فصيح اللسان

ونفحة من نفحات الجنان

شيخٌ مغيث نبراس الهدى والإيمان

أصالته وقراراته دليل وبرهان

وقلب مفعم بالدفء والحنان

أغنى النفوس بالسكينة والاطمئنان

يد بيضاء كريم الإحسان

به شهدنا الخير كل أوان

عمّر البلد بالسواعد على الكثبان

والصحارى أضحت واحات ومهرجان

الإمارات زهت كالنجوم والفرقدان

فجعلت منها درة البلدان

Email