الإرهاب المتدرّج وهدف تفكيك الدول العربية

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يمكننا أن نعزل ما يجري في مصر العزيزة، وآخرها أحداث الأسبوع الماضي من اغتيال النائب العام المستشار هشام بركات، وسلسلة الأعمال الإرهابية ضد الجيش المصري، عن المخطط الرئيس للفوضى الخلاقة، ألا وهو تفكيك الدولة العربية المعاصرة.

فطبيعة هذه الأحداث وتراكمها يصب في مسار واحد يهدف إلى تفكيك فكرة الدولة في نفوس مواطنيها، ليغدو الفراغ والانهيار شيئاً طبيعياً، بل ونوعاً من الوهم بتحقيق انتصار لبعض العابثين من أبناء هذه الدول.

ولك أن تتأمل هنا في «الانتصارات» الوهمية التي نراها في ليبيا أو سوريا منذ انهيار الدولة المركزية في البلدين، وكيف يتحول الانهيار إلى «بزنس» فعليٌ للأطراف العابثة بمصير بلدانها بلا مسؤولية ولا رادع من ضمير أو دين أو قانون.

ومنذ أن بدأ تنفيذ مخطط الفوضى الخلاقة في منطقتنا نهاية عام 2010 وحتى اليوم، أصبح من الواضح أن أبرز اللاعبين في تنفيذ هذا المخطط، هم تنظيمات الإسلام السياسي، وفي مقدمها عصابة الإخوان المسلمين بامتداداتها المختلفة، بما في ذلك فروعها وعناوينها المعروفة في دول الخليج.

وبالطبع، لا يخفي على بال أي منا أن وجود هكذا عصابات ترتدي ملابسنا وتتحدث لغتنا وتتخفى في مجتمعاتنا بمظاهر التدين والصلاح، هو من أول أدوات نفاذ هذه المخططات الجهنمية ونشرها بين الناس، وإدخال أحصنة طروادة الفكرية والسياسية والاجتماعية إلى داخل دولنا، لتنفيذ جرائم بحق دولنا وشعوبنا لم يكن ممكنا تنفيذها بأيدي أجنبية مباشرة، خاصة بعد أن تخلصت دولنا من الاستعمار الأجنبي المباشر، فرحل الأجنبي وحلت محله أحصنة طروادة، ترتدي ملابسنا وتتكلم لغتنا، لكنها تنفذ مخططاته!

دعونا نفهم الأمور معاً، وبشكل منطقي. فعلى سبيل المثال، الإساءة المنتظمة لرموز دولة ما وقادتها، والتقليل من احترامهم والتشكيك في أعمالهم (تكسير هيبتهم)، يعتبر جزءاً من منظومة الأعمال المتوسطة وطويلة الأمد التي يتم استخدامها من قبل التنظيمات الانقلابية، مثل الإخوان، بهدف تحقيق اختراق اجتماعي وسياسي في صفوف المجموعات الوطنية المؤيدة لتلك الدولة، واجتذاب المزيد من المناصرين للأفكار الانقلابية تحت مسميات وحجج مختلفة.

لكن الهدف الأعمق يظل تكوين حالة نفسية يسهل استخدامها للسعي نحو «تفكيك» النظام السياسي، بغرض الانقلاب عليه. لذلك، فإن عدداً من السلوكيات التي قد تبدو بريئة إذا وضعت في سياقها الطبيعي/الجمعي، تصبح مؤشرات خطيرة وغير بريئة، مثل تحويل شكوى من تجاوز موظف فرد إلى شكوى من أن كل الوزارة المعنية هي كذلك، وإذا تجاوز شرطي واحد مثلاً، يتم الترويج وكأن كل جهاز الشرطة هو من قام بذلك التجاوز، والهدف طبعاً تكوين انطباع أن كل الحكومة سيئة وفاسدة، بينما التجاوز هو من فرد واحد لا أكثر.

ومن المهم هنا أن نفهم أن الدولة بمفهومها القانوني، هي منظومة واحدة، وقد أعجبني قرار لمحكمة التمييز في الأردن الشقيق الشهر الماضي، حين اعتبر أن الطعن في مؤسسات الدولة ومكوناتها، كالسلطة القضائية مثلاً، والتحريض عليها والانتقاص منها، يدخل في باب جريمة تقويض نظام الحكم، لأن نظام الحكم ليس رأس الدولة فقط، وإنما كل مكونات الدولة. وأهمية هذا القرار الذي يعتبر سابقة مهمة جداً في الفقه القضائي والقانوني العربي، أنه يقول للمواطن العادي إن الأعمال الواقعة على مكونات نظام الحكم من أدناها إلى أعلاها، كلها أعمال خطيرة لا يجوز التساهل فيها.

لذلك دعونا نتذكر أن المؤامرة على مصر مثلاً لم تبدأ اليوم، وإنما بدأت عندما أصبح شتم شرطي المرور علناً بأقذع الألفاظ «مثل شربة الماء»، كما يقول أشقاؤنا المصريون، وعندما أصبح التشكيك في المؤسسة القضائية جزءاً من الممارسة اليومية لبعض الجهات. أما الرئيس مبارك، فلعله لا يغيب عن البال هنا، كيف حرصت تنظيمات معينة، وعلى مدار عدة سنوات، على تنظيم مظاهرات شبه يومية على ناصية قصر القبة، لا مضمون لها إلا شتم رئيس الجمهورية!

ولكي تكتمل الحلقة بعد إدخال البلاد في فوضى ما بعد 11 فبراير 2011، لم تجد عصابة الإخوان المسلمين إلا أقل رجالها كفاءة لترشحه لرئاسة الجمهورية، وكأن المطلوب كان أن تصبح الدولة المصرية ورئاستها في نظر المواطن العادي مجرد نكتة! كيف يمكن لمواطن أن يحترم دولته بعد ذلك؟ هذا بالضبط ما كانوا يريدونه، لكي يصبح الانهيار شيئاً طبيعياً ومنتظراً.

ولكي تتضح الصورة أكثر، تذكروا ما حصل في ليبيا بعد انتخابات مجلس النواب الأخير، فالإخوان وحلفاؤهم في البداية بلعوا على مضض هزيمتهم الانتخابية، وتظاهروا بقبول النتائج، لكن الحرب استعرت على الحكومة والبرلمان الشرعيين عندما تم إقرار تعديل على الإعلان الدستوري، يتعلق بانتخاب رئيس للبلاد. تصوروا أن كل هذه الحرب المستعرة في ليبيا وتقسيم البلد بين حكومتين ومجلسين، كانت شرارتها رفض الإخوان وحلفاؤهم وجود رئيس للبلاد... وهل يعقل أن تكون هنالك دولة في العالم بدون منصب الرئيس، ولو شكلياً!

لماذا أقول لكم هذا الكلام؟ السبب هو لكي أوضح أبعاد هذه المؤامرة الخطيرة، والتي يسعون بشكل أو آخر لتنفيذها في دول الخليج الآمنة بإذن الله تعالى وفضله. ومن يتابع ألاعيبهم وخطاباتهم والرسائل الخبيثة التي يحاولون إيصالها للناس، يستطيع أن يلاحظ بوضوح هدف تفكيك الدولة القائمة في كل مخططاتهم تحت عناوين خادعة، كالتغيير والإصلاح، وما سواها من أكاذيب.

ومن المهم هنا، أن ندرك جميعنا أن هذه العصابات لا تبدأ عملها من قمة الجبل. هل رأيتم جرذاً يتسلل إلى كومة قمح من قمتها؟ لا، بل من قاعها، ولذلك فهم يتسللون من القضايا البسيطة والأشياء اليومية والشؤون الحياتية حتى يبنوا لهم قاعدة من القبول الشعبي، ينتقلون منها خطوة خطوة نحو هدفهم.

فالتحريض يبدأ من الأشياء البسيطة، وينتقل تدريجياً، والغطاء جاهز، مرة تحت ستار الداعية فلان، ومرة تحت ستار المسألة الفلانية، ولا مانع لديهم من إثارة النعرات وتأجيج الفتن، طالما أن الهدف هو تصوير البلد المعنية وحكومتها كأنها الخصم المباشر لكل مواطن من أبنائها كذباً وزوراً وبهتاناً.

خذوا مثلاً وسائل المدعو طارق السويدان، حيث التحريض على حكومات المنطقة، واستخدام عبارات فضفاضة تقلب الحقائق وتزور الأخبار وتروج لأفكار وطروحات ظلامية قطبية إجرامية. وعلى نفس المنوال، نجد الآخرين، أمثال هذا المأفون الذي تطاول الأسبوع الماضي على المغفور له خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز، محاولاً تغطية تطاوله بالتزلف لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان لكن «الحزم السلماني» كان أسرع، فقطع دابره بحمد الله.

واسمحوا لي هنا أن أذكركم ببعض من تقنياتهم الخبيثة لنزع ثقة المواطن في دولته، وتبخيس صورتها في ناظريه، وفك الارتباط العضوي بين المواطن والوطن.

فقد كان من دأب عصابات الإخوان منذ عشرات السنين، محاربة مؤسسات الفتوى الرسمية والعلماء المعروفين بالعلم والاعتدال وتغليب مصلحة المسلمين، وتسميتهم «علماء السلطان»، بهدف نزع الشرعية عنهم، والتأسيس لفقه بديل يخدم الأهداف الخبيثة للإخوان ومن وراءهم.

ولم يكتفوا بذلك، بل زرعوا في نفوس أعضائهم ومريديهم ومن ينخدع بهم، الفصل بين الدولة المعاصرة وحقوق ولي الأمر على رعيته، حتى إن باباً واسعاً في الفقه الإسلامي تم إخفاؤه في العصر الحديث من قبل هذه العصابات، وهو باب الأحكام السلطانية والسياسة الشرعية، وبهدف واضح خبيث، هو إخراج علاقة المسلم بوطنه وحكومة بلاده من دائرة الشرع والفقه، إلى دائرة المؤامرات والانقلابات.

ولعلكم تذكرون هنا حجم السخرية من الأحكام الشرعية عن وجوب طاعة ولي الأمر، وعدم جواز الخروج عليه، بل والانتقاص من العلماء الأجلاء وفتاواهم وأقوالهم.

لكن إلى أين قادنا هذا؟ لكي تدركوا حجم المؤامرة، تذكروا الواقع الذي نعيشه اليوم، حيث نجد صبيانا مراهقين يرفضون فتاوى أئمة مثل ابن باز وآل الشيخ، ويصدقون فتاوى غلمان لا نصيب لهم من علم ولا دين، لا لشيء إلا لأن دعاة الهوى والضلال «والظلال»، صوروا لهم ابن باز وآل الشيخ على أنهم علماء سلطان، وأولئك الغلمان علماء ربانيين، والله ودينه منهم وأعمالهم براء.

والأمور لا تقف هنا، فالتشكيك لا يقف عند علماء الشرع، بل يصل للقضاء وللأجهزة الأمنية ولمؤسسات الدولة المختلفة. بل وحتى التطاول المباشر على الرموز الوطنية والمسؤولين، خاصة المحبوبين من شعوبهم، والتطاول هنا يصل لمراحل سيئة، تتجاوز المقبول وبشكل منظم، وكم تفاخر قادة الإخوان في غير بلد، أنهم وراء الشائعات الدنيئة المسيئة لمسؤولين أو حكام في بلدانهم.

وهنا أستذكر عبارة لا أستطيع نسيانها، قالتها العام الماضي مسؤولة إحدى المنظمات المشبوهة المعروفة بتآمرها على دولنا. قالت: إن شتم رؤساء الدول، هو حق من حقوق الإنسان! ولكم أن تتخيلوا أن تصريحها هذا كان تعقيباً على محاكمة شخص تطاول على أمير إحدى الدول الشقيقة، وخاطبه بما لا يليق، لا عرفاً ولا قانوناً ولا عقلاً، وتأتي هذه المتصهينة لتعتبر هذا التطاول حقاً من حقوق الإنسان!

بل إن التشكيك ومحاولات تكسير هيبة الدولة المعاصرة تصل لدى هؤلاء المتآمرين إلى بعض المسائل الحياتية البسيطة. خذ مثلاً، اللحم المستورد، عندما تشتريه فأنت تأخذه وتطهوه وتأكله هنيئاً مريئاً، لأنك تثق أن دولتك دولة مسلمة، لن تسمح بدخول لحوم مخالفة للشريعة الإسلامية في منافذ البيع العادية.

لكن في نظر الإخوان ومن لف لهم ستكون الإجابة الفورية: هل تثق بهم؟ إنهم لا يخافون الله! هذا نموذج على الأعمال الصامتة التي تتم ضمن منطق محاربة مرجعية دولة ما، وتحريض الناس ضد حكومتهم بالكذب والافتراء.

لكن علينا هنا أن نتذكر أن هنالك سداً منيعاً يقف في وجه كل هذه المؤامرات، وهذه العصابات وهذه المنظمات، ألا وهو أنت أخي المواطن، أختي المواطنة. أنت الذي ترفض تداول شائعاتهم، وترفض تمرير تطاولاتهم على رموز الدولة والشعب، وترفض عبثهم بوحدة الشعب والبلاد، ولا تقبل أن تصبح مجرد جسر يمرون عليه لتمرير أغراضهم الدنيئة الخبيثة.

نعم: أنت الحصن المنيع، بإذن الله، الذي ستتكسر عليه كل محاولاتهم من خلال وعيك وعدم قبولك لأكاذيبهم. ودعني أذكرك هنا، هل تقبل أن يمر من خلالك التطاول على الدولة ورموزها؟ لا! هل تقبل أن يمر من خلالك التطاول على مكونات وحدتنا الوطنية ورموز شخصيتنا الإماراتية؟ لا! هل تقبل أن تكون أنت أو أسرتك أو أصدقاؤك جسراً لسمومهم وشرورهم؟ لا وألف لا، لأنك إماراتي، والإماراتي لا يقبل أن تمس بلاده ودولته وشيوخه وشعبه. لكن يبقى أن علينا أن نتذكر هنا شيئاً مهماً.

لقد حدثتكم عن الإخوان، وهم حصان واحد فقط من أحصنة طروادة.

تذكروا أن هناك أحصنة أخرى تستخدم نفس الأساليب، لكن بأشكال أخرى من السموم، وأنتم وذكاؤكم قادرون على كشفها!

والآن، يا ابن الإمارات، ضع يدك بيدي، وكتفك بكتفي، لنكون حصناً حصيناً وسياجاً منيعاً في وجه كل من يريد بدولتنا الحبيبة سوءاً أو شراً.

عاشت الإمارات... عيشي بلادي.

Email