لن تنجح المؤامرة.. ولن تسقط مصر

ت + ت - الحجم الطبيعي

كان حادث اغتيال النائب العام المصري صادماً للرأي العام، خاصة أنه جاء مع الذكرى الثانية لثورة 30 يونيو التي أسقطت حكم الإخوان الفاشي، ومع توقعات بأعمال إرهابية من الإخوان وحلفائهم. كما سبقه اغتيال ثلاثة من الشباب القضاة في العريش بسيناء قبل أسابيع.

ومع ذلك فإن ما حدث لم يكن جديداً ولا غير متوقع كما أسلفنا، فتاريخ «الإخوان» فيه الكثير من هذه الحوادث بدءاً من اغتيال القاضي الخازندار في نهاية الأربعينيات من القرن الماضي، وحتى محاولات عدة لاغتيال قضاة في الفترة الأخيرة، ومنهم القاضي الذي تحدى الإخوان أثناء حكمهم، وبدأ بمحاكمتهم في قضية السجون وقتل حراسها وغيرهم أثناء ثورة يناير بمعاونة من جهات أجنبية! وحادث الاغتيال كان صورة مكررة من محاولة اغتيال وزير الداخلية السابق محمد إبراهيم التي نجا منها بـ«معجزة».

لكن الأمر يختلف عن التطور الخطير الذي عاشته مصر في يوم الأربعاء الدامي (الأول من يوليو) حين تحولت منطقة «الشيخ زويد» في سيناء إلى ميدان لحرب حقيقية بين القوات المسلحة وبين عصابات الإرهاب التي كانت ترفع سابقا لافتات «بيت المقدس» ثم تحولت إلى إعلان الولاء العظيم لـ «داعش».. بينما الحقائق تقود إلى أنها خرجت (مثل غيرها من عصابات الإرهاب) من رحم «الإخوان»، وعززت وجودها في سيناء في ظل حكمهم، وبانضمام من أفرج عنهم المعزول مرسي، الذي قدم لهم يد العون، وسهل لهم تهريب السلاح، واعتبرهم (مع قيادة الإخوان) رصيدا في معركة كانوا يستعدون لها لاستكمال «التمكين» من حكم مصر، وتصفية جيشها الوطني!

المفاجأة هنا كانت في أن الجيش المصري قد وجه طوال الشهور الماضية ضربات قاصمة لهذه العصابات، ومع ذلك امتلكت القدرة على شن هذه الهجمات الواسعة، ورغم الرد الحاسم من الجيش المصري، واستمرار مطاردتهم حتى استئصالهم تماماً، إلا أن ما وقع يشير إلى عدة حقائق أساسية:

أنه رغم كل الضربات التي تلقاها الإرهابيون، فقد كشف هجومهم الأخير عن امتلاكهم المزيد من الأسلحة المتطورة مثل الصواريخ المضادة للطائرات، والقاذفات الحرارية ضد المدرعات، كما كشفت عن امتلاكهم كوادر عالية التدريب وقادرة على القيام بمثل هذه العمليات الكبيرة.

إن ذلك لا يمكن أن يتم إلا بدعم خارجي كبير بالمال والسلاح والكوادر المدربة والمعلومات الاستخباراتية من قوى إقليمية ودولية هي نفسها القوى التي ساندت حكم «الإخوان»، وصدمها سقوطهم في 30 يونيو، ومازالت تدعمهم حتى الآن!!

إن مصر تخوض حرباً حقيقية ضد عصابات الإرهاب والقوى الخارجية التي تدعمها. وجيش مصر ما زال مستهدفاً باعتباره القوة العربية الأساسية الصامدة في وجه مخططات إسقاط ما تبقى من النظام العربي وإعادة تقسيمه، خاصة بعد أن فقد العرب قوة العراق وسوريا في مواجهة هذا المخطط.

إن الحرب التي تخوضها مصر تزداد ضراوة كلما حققت خطوة في طريق الاستقرار الأمني والتطور الاقتصادي. وسوف نرى عمليات إرهابية تحاول إفساد الاحتفال بإنجاز التوسعات الجديدة في قناة السويس الشهر القادم. لكن الأمر أكبر من ذلك، سوف تستمر الحرب لفترة أخرى حتى يتم استئصال عصابات الإرهاب خاصة في ظل التطورات في ليبيا والفوضى التي تعيشها، وتحولها إلى مأوى لكل العصابات الإرهابية، وإلى مصدر لتهريب السلاح إلى داخل مصر، ومقر لمعسكرات إعداد الإرهابيين وتدريبهم.

مصر تعرف أن قوتها في وحدتها، ولهذا فإن الفشل الأعظم للإرهاب الإخواني والداعشي هو أن جيش مصر لم ولن يفقد ذرة من روحه المعنوية، وتصميمه على استئصال الإرهاب من جذوره، وأن شعب مصر يقف– بكل فصائله– وراء جيشه الوطني، مدركاً أنها حرب مصيرية، وواثقاً من النصر فيها، مهما كان الدعم الذي تتلقاه عصابات الإرهاب من أعداء الوطن والدين.

إن ما يجري في مصر لا ينفصل عما يجري في الوطن العربي. وما شهدته القاهرة وسيناء يأتي بعد أحداث تونس والكويت ليؤكد أن الوطن العربي كله في دائرة الاستهداف، وأن الإرهاب ملة واحدة، وأن وحدة الصف العربي ضرورة حياة في هذه الظروف، وأن استبعاد أي طرف عربي ضالع في المؤامرة ضد الوطن العربي هو شرط أساسي للانتصار في هذه المعركة!

قبل أيام من الأحداث الأخيرة، أقامت رئاسة الجمهورية في مصر حفل إفطار كان أبرز الحاضرين فيه ممثلو المناطق الحدودية في سيناء ومطروح والنوبة وأسوان، وكان الرئيس المصري حريصاً في كلمة قصيرة ألقاها على تأكيد أن مصر تحتاج لجهود جميع أبنائها وأن الوطن يتسع للجميع ما عدا الإرهاب الذي تلطخت يداه بدماء المصريين، وكان رد «الإخوان» على ذلك، الدعوة لقتل رجال الجيش والشرطة والقضاء والإعلام وكل مؤيدي النظام ثم كانت موجة الإرهاب والتفجيرات في عدد من المحافظات واغتيال النائب العام ثم ما جرى في سيناء.

والإرهاب لم يتغير منذ قتل الإخوان القاضي الخازندار- قبل سبعين عاماً ـ وحتى موجة الإرهاب التي يقودونها الآن، ظناً منهم أنهم قادرون على إعادة الحياة لتنظيم إرهابي كتب المصريون شهادة وفاته حين خرجوا بالملايين في ثورة 30 يونيو ليسقطوا حكم الفاشية الدينية!

Email