عودة «الوطني» أم أزمة النخبة!

ت + ت - الحجم الطبيعي

تزايد الجدل في الآونة الأخيرة حول احتمالات عودة الحزب الوطني، الذي صدر قرار بحله بعد ثورة 25 يناير، إلى الحياة السياسية مرة أخرى، ليس بصفة قانونية وإنما تحت مسميات وأساليب أخرى. إذ ليس هناك قانون للعزل السياسي يمنع أعضاءه السابقين من مباشرة حقوقهم السياسية والمشاركة في الانتخابات المقبلة.

وتناولت بعض الأقلام بالمقارنة وضع الحزب بمثيله فى المكسيك تحديدا لتشابه التجربتين. ففي الأخيرة حكم الحزب الثوري لعقود طويلة، وكان معروفا بأنه حزب الدولة المرتبط بجهازها الإداري والأمني.

إلا أنه وتحت ضغوط شديدة واتهامات بالفساد والتزوير اضطر لإجراء إصلاحات جذرية وانتخابات نزيهة عام 2000 خرج على اثرها من السلطة، لينضم إلى صفوف المعارضة، قبل أن يحقق بعد 12 عاما فوزا مرة أخرى في الانتخابات على منصب الرئاسة ثم البرلمان هذا العام بالتحالف مع أحزاب قريبة منه.

ورغم التشابه في تاريخ الحزبين، إلا أن فروقا تظل تفصل بينهما. فالتجربة المكسيكية تعبر عن منهج الإصلاح من الداخل، وهو ما لم يحدث في حالة الحزب الوطني. كذلك فإن أعضاءه ممن لم يخضعوا للمحاكمات بتهم الفساد لم يعودوا يعبرون عن كيان تنظيمي أو حزبي واحد، بل توزعوا على أحزاب صغيرة، قبل أن يسعوا للانضمام إلى كيانات أكبر في مقدمتها حزب المؤتمر وحزب الحركة الوطنية وحزب المصريين الأحرار.

وقبل تحليل هذه الظاهرة والوقوف عند أسبابها، هناك سؤال منطقي يستوجب الإجابة عنه وهو هل الأعضاء السابقون في الحزب الوطني هم فقط من يعبرون عن نظام مبارك؟

والإجابة هي بالقطع لا، فأحزاب المعارضة القديمة كانت هي ذاتها جزءا من هذا النظام، والأحزاب المعروفة التي تشكلت بعد 25 يناير أسس أغلبها رجال أعمال كانوا شديدي القرب إما من مؤسسة الرئاسة أو الأجهزة السيادية حتى وإن لم يكونوا أعضاء في الحزب الوطني.

ونفس هذه الطبقة هي التي تمتلك أهم القنوات الفضائية التي تقود وتوجه الرأي العام، وكذلك الحال بالنسبة لأغلب الإعلاميين الحاليين الذين ربما كانوا الأكثر قربا من نظام الحكم وأجهزة الدولة حتى مع عدم عضويتهم في الحزب.

وهذه الأمور تعد من بديهيات أو خصائص أي نظام سلطوي يسعى لتوظيف الجميع تحت مسميات مختلفة واستيعاب كل عناصر النخبة ليس فقط المشار اليهم، إنما يسري ذلك أيضا على الكتاب والمثقفين والفنانين وغيرهم ممن يعملون في المجال العام. والأكثر من ذلك أن بعض الأسماء التي تتولى مناصب عامة في الوقت الراهن كانت ممن تولت حقائب وزارية في العهد نفسه، فكيف سيكون التصنيف اليوم ووفق أية معايير؟.

إذن وبخلاف القلة المحتكرة أو«الشلة السياسية» أو«الصفوة» التي مثلت الطبقة العليا في الحزب الوطني، والتي كانت قريبة من دوائر النفوذ، فقد يتساوى الجميع من كانوا أعضاء به أو كانوا خارجه، لأنه في الحزب نفسه كان هناك أيضا من هُمش أواستقال أوانشق عنه أومن لم يحصل على أية ميزة سياسية أو مادية أو منصب حزبيا أوعام.

وبالعودة إلى التساؤل الأساسي حول لماذا اللجوء إلى أعضائه السابقين؟ فإجابته تتعلق بأزمة تتجاوز هذه الحدود، فجانب منها يرتبط بالضعف المزمن للتجربة الحزبية التي بدأت في منتصف السبعينات بعد فترة انقطاع طويلة أعقبت حل الأحزاب السياسية بعد ثورة 1952، فكانت عودة مقيدة مرهونة بوجود حزب واحد مهيمن هو حزب السلطة أو حزب الدولة، الذي تعددت أسماؤه وانتهت بـ«الوطني».

كما إن البيئة السياسية والاجتماعية التي تشكل الإطار الأوسع للانتخابات بقيت على حالتها شديدة التقليدية، تتحكم فيها العصبيات والعائلات والقبائل والمال أيضا، والتي يتم التصويت على أساسها وليس على أساس البرامج السياسية. وتحالف الأحزاب حاليا مع كوادر الوطني يجسد تماما هذا المعنى. أما الجانب الآخر للأزمة..

فيرتبط بالنخبة المدنية أوالسياسية التي تحولت بمرور الزمن إلى نخبة من التكنوقراط أوالبيروقراطيين، أي موظفين وإداريين ومنفذين دون رؤية أومساهمة فعلية في صنع السياسات العامة، تدور في حلقة مغلقة تتداول المناصب فيما بينها دون تغيير أو تطور ملموس في مستوى أدائها أو طرق تفكيرها.

 

Email