الفساد الأخلاقي والهمجية يعيثان فساداً في كوكبنا

ت + ت - الحجم الطبيعي

كنت أبتسم لدى رؤية رجل يسير في شارع أكسفورد في لندن في السبعينات وهو يحمل لوحاً مزدوجاً كُتِب عليه عبارة: «اقتربت نهاية العالم». كنت أعتقده مجنوناً. لكنني لن أبتسم إذا رأيته الآن لأنه قد يكون محقاً.

لقد تبدّل عالمنا كثيراً وعلى مستويات عدة لأن الجنس البشري يخسر كل قدرة على التمييز بين الصواب والخطأ، والسلوكيات التي كانت المجتمعات تعتبرها خاطئة في صباي باتت مقبولة الآن ويُنظَر إليها بأنها طبيعية وعادية.

لم يعد الناس يُصدَمون بسهولة، فقد رأوا كل شيء على شاشات التلفزة أو في الأفلام أو الألعاب الإلكترونية. أصبح الخط الفاصل بين الحياة الحقيقية والواقع الافتراضي مشوّشاً. المحظورات قليلة جداً، لا سيما في الغرب، ومن يعترضوا على كسر هذه المحظورات يتعرّضوا للهجوم من دعاة الصوابية السياسية بحجّة انتهاك حقوق الإنسان لدى الآخرين.

على سبيل المثال، يتحوّل الرجال نساءً بالمعنيَين المجازي (الرجال الجدد) والحرفي، فترحّب وسائل الإعلام بخطوتهم هذه وتصوّرهم بأنهم شجعان. من علامات اقتراب يوم القيامة في الإسلام تشبّه الرجال بالنساء والعكس.

لا يمكن أن نتوقّع أن يبقى كل شيء على حاله. أنا أدعم التغيير، إنما ليس نحو الأسوأ. وهناك بعض الأساسيات التي تعترف بها كل الأديان والتي لا تتغيّر أو يجب ألا تتغير على الإطلاق. والزواج واحدٌ منها.

حتى وقت قريب، كان تعريف الزواج بأنه اتحاد بين رجل وامرأة، لكن قواميس بارزة، على غرار «ميريام-وبستر»، أضافت أخيراً تعريفاً بديلاً: «الاتحاد بشخص من الجنس نفسه...». يعني هذا أن طلاب المدارس سينشأون على فكرة أنه من الطبيعي أن يعقد رجل قرانه على رجل آخر أو أن تتزوّج امرأة من امرأة أخرى.

لقد أُفرِغ الزواج من قيمته ودُنِّس في نظر الكثيرين، لا سيما المسيحيين منهم الذين يعتبرون الزواج رباطاً مقدّساً يباركه الله. وقد هدّد أزواج مسيحيون بالطلاق لأن تحرير رباط الزواج يجعل المؤسسة الزوجية محل سخرية.

بيد أن المحكمة العليا الأميركية قضت أخيراً بأنهم لم يعد بإمكان الولايات حظر زواج المثليين. قال أحد القساوسة في تكساس إنه يفضّل أن يحترق حتى الموت على أن يسمح بمثل هذه الزيجات. ويدعو المرشح الجمهوري للرئاسة مايك هوكابي المسيحيين إلى تنظيم عصيان مدني احتجاجاً على قرار المحكمة. وقد اتهم تيد كروز، وهو جمهوري آخر يطمح للوصول إلى الرئاسة، قضاة المحكمة العليا الذين صوّتوا لصالح زواج المثليين، بأنهم يعيدون صياغة الدستور.

لا بد من أنكم استنتجتم أنني من الأشخاص المتمسّكين بالتقاليد. أن يوقّع الأشخاص عقوداً مدنية لحماية حقوقهم أمر، لكن إعادة تعريف الزواج في أميركا أمر آخر. على الرغم من آرائي الشخصية، لا أقلّل من احترام الحكم الصادر عن المحكمة العليا تحت شعار «الحرية الشخصية»، لأنه لا شأن لي في ما يجيزه الأميركيون أو لا يجيزونه في بلادهم.

لكن لا بد لي من القول بأنني صُدِمت بالبهجة العارمة التي أظهرها باراك أوباما، رئيس الدولة التي يُقال إنها الأعظم في العالم، في تبنّي الحكم واصفاً إياه بأنه «جعل اتحادنا أكثر اكتمالاً إلى حد ما».

وقد حرص على إبداء تأييده الشديد للحكم عبر التغريد على موقع «تويتر» مستخدماً هاشتاغ LoveWins (الحب ينتصر): «نقطع اليوم خطوة كبيرة في مسيرتنا نحو المساواة. لقد بات المثليون والمثليات يملكون الحق في الزواج، تماماً مثل الباقين».

لقد أخلّ أوباما ببرنامجه الانتخابي الذي أعرب فيه عن دعمه للزواج المدني إنما ليس زواج المثليين الذي يتعارض مع معتقداته المسيحية. فقد قال عام 2008: «ما أؤمن به، في ديانتي، هو أن الرجل والمرأة عندما يتزوّجان يؤدّيان أمراً أمام الله... لدينا مجموعة من التقاليد المعمول بها والتي يجب الحفاظ عليها برأيي».

كان محقاً في ذلك الوقت، لكنه غيّر رأيه في لحظة ما... أو بالأحرى هل كان ضد زواج المثليين في الأصل؟ بحسب مستشاره السابق ديفيد أكسلرود، لقد خدع أوباما الرأي العام، فلطالما أيّد زواج المثليين، لكنه أخفى الأمر تحقيقاً لمآربه السياسية.

الطريقة التي يروّج بها أوباما لمفهوم «الحب» عبر وسائل التواصل الاجتماعي معيبة ومضلِّلة لا سيما وأنها تصدر عن رئيس يُفترَض به أن يمثّل مصالح جميع المواطنين في بلاده. هل يقصد أن كل من يعارض هذا القانون الاتحادي لا يعرف معنى الحب؟

الاحتفاء بالعلاقات غير الطبيعية التي تعتبرها الديانات اليهودية والمسيحية والإسلامية تصرّفاً مشيناً - هو مخرزٌ في عين الأشخاص الذين يأخذون ديانتهم على محمل الجد، ويوجّه رسالة مريعة إلى الشباب الأمريكيين لأن أوباما لم يوافق على مفهوم زواج المثليين وحسب، بل ذهب إلى حد تمجيده، وتصويره بأنه أمر مبتكَر يجب الاقتداء به مستخدماً عبارات مثل «تندفع أمواج الأمل نحو الخارج وتُغيّر العالم». إذاً الرجل الأقوى في الكرة الأرضية يريد الآن من العالم بأسره أن يحذو حذوه!

لا بد من الإشارة هنا إلى أن تفشّي المثلية الجنسية هو أيضاً من العلامات عن اقتراب يوم القيامة. لكن المؤشر الآخر هو أن المتمسكين بالفضيلة يتعرّضون للازدراء بسبب تمسكهم بمبادئهم الايمانية السوية. وهذا بالضبط ما يحدث في الولايات المتحدة اليوم. فمن يتكلّمون جهاراً دفاعاً عن رابط الزواج بين رجل وامرأة، بتوجيه من إيمانهم، يُتّهَمون بأنهم يعانون من رهاب المثلية.

اعتقدنا أن الرئيس أوباما كان سينشغل الأسبوع الماضي بأمور أهم بكثير من ترويج زواج المثليين عندما كان الإرهابيون يقتلون الأبرياء في ثلاث قارات، وعندما كان تنظيم « داعش» يصلب الأطفال أو يحرقهم أحياء لارتكابهم «جريمة» الإفطار في رمضان.

يُقتَل الناس في المساجد والكنائس، وتتعرّض الكنس للهجمات، ويُدان الصالحون لأنهم يتمسّكون بقيم استندت إليها هيكلياتنا العائلية لآلاف السنين. مجدداً، يعتبر المسلمون أنه من علامات يوم القيامة أن «الصالحين سيلتزمون الصمت خوفاً من كلام الفجّار البغيض» والأكثر صمتاً هم العراقيون والسوريون الذين يحاولون الصمود في المناطق الخاضعة لسيطرة تنظيم « داعش». المتطرفون الذين يفرضون بقسوة إرادتهم على الآخرين بحد السلاح أو السكين يجسّدون الوجه الآخر لعملة أوباما الليبرالية.

لا شك في أن الأزمنة تتغير. أنا أؤمن بالتقدم وأتطلع إلى المستقبل، لكن لا يسعني سوى أن أشعر بالحنين إلى الزمن الغابر عندما كان الأطفال في العالم الغربي يتربّون على قيم راسخة؛ وعندما كان الصواب والخطأ يُحدَّدان بالأسود والأبيض، وليس بدرجات اللون الرمادي. أشعر بالحنين إلى تلك الأيام عندما كان الأشخاص الذين يدافعون عن المبادئ والقيم يحظون بالاحترام بدلاً من أن تُشوَّه سمعتهم لمجرد تعبيرهم عن آراء قد لا تُعجب الأكثرية. إن عالماً من دون قواعد أو خطوط حمراء في السلوكيات هو عالم تحكمه الفوضى ولا شيء غير الفوضى.

يقوّض قرار المحكمة العليا القيم التي لطالما تغنّت بها الولايات المتحدة. لقد تلقّت كرامة المنصب الرئاسي ضربة قاضية. فالبلاد التي كانت تحتل مكانة مرموقة وتُعتبَر منارةً للعالم لم تعد بالإشعاع نفسه. وحده الخالق يعرف متى يحين يوم القيامة، لكن إذا واصلنا السير في هذا المنحدر الزلق، فعلى الأرجح أن ذلك اليوم سيكون لناظره قريب.

Email