هموم المحامين

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد أن كثرت الشكاوى والتذمرات من زملائي المحامين والمحاميات وجدت نفسي أخط هذه الأسطر وأسارع في كتابتها؛ لكي لا تطير الأفكار التي حملتها من جملة شكاواهم وملاحظاتهم على وضعهم في المجتمع الإماراتي تحديداً.

فالمحاماة في أي دولة هي عماد وسند وفخر لصاحبها، ولها قواعد وضوابط، ولممثلها المحامي حقوق وقوة وفخار، ولكن وَجَدَ المحامي نفسه في دولة الإمارات بين «حيص بيص». والأصعب من ذلك أنه أسند أمر إدارة وتنظيم مهنته إلى أشخاص من غير بني جلدته وفي أحيان كثيرة ومع تعدد الدوائر المسؤولة عنه في كل إمارة حتى صار من يديره من غير القانونيين، وهو حتى الآن صامت ويتذمر بسكوت، أو في أحسن الأحوال يعلن شكواه بين زملائه المحامين «يعني يشكي همه لنفسه».

ولنستعرض بعض الإشكالات التي تواجه زملائي المحامين وأنا بينهم. فأول هذه الإشكالات ما نص عليه قانون تنظيم المهنة بعدم الجواز للمحامي أن يعمل في أي نشاط تجاري بالتزامن مع ممارسته لأعمال مهنة المحاماة.

وبالاطلاع على واقع الحال فإن هذا الأمر جد غريب، فبعد أن أصبح العالم وحدة واحدة، وأصبحت وسائل «الحيلة القانونية» متوفرة نجد أن مثل هذا القرار يدندن فوق رؤوسنا دون تغيير أو تطوير منذ العقد الأخير من القرن الماضي، فلو كان مغزى المشرع هو عدم تعارض مصالح المحامي مع مصلحة موكليه أو أن لا ينشغل مع مهنته بأي مهام أخرى تشغله عن حقوق من وكلوه، فإن الرأي هذا مردود عليه لجهة أن كل المحامين أو جلهم أصبح يضع نشاطه التجاري باسم زوجته أو أحد إخوته أو ابنه أو أي من أقاربه، أو يمارس نشاطه التجاري خارج الدولة أصلاً في كثير من الأحيان، خاصة إن كان من المستشارين الوافدين المرخصين بالترافع، وهذا يعني أن الأجنبي يستطيع أن يحظى بميزات أكثر من الوطني.

وإن ما يثير الاستغراب أن المشرع استطاع أن يمنع المحامي وهو صاحب مهنة حرة من التعامل التجاري شأنه شأن القاضي.

وكذلك لم يمنع موظفي الوزارات بمناصبهم المختلفة عن ممارسة النشاط التجاري رغم حجم واسطتهم وعلاقاتهم، ما عدا الوزراء الذين منعوا بموجب أحكام الدستور، مع العلم أن منهم من هم رؤساء مجالس إدارات كبريات الشركات المساهمة والبنوك وخلافها، فلو اتبع المنهج والقانون لوجب منع أولئك قبل المحامين.

والأمر الآخر وجود مكاتب أجنبية استشارية تنافس المحامين في أعمالهم، وللأسف فإنه لاتزال لدينا عقدة الأجنبي، فنرى أن الشركات الكبيرة بل ربما حتى بعض الوزارات الحكومية تثق في المكاتب الأجنبية أكثر من المكاتب الوطنية، والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا هذه الثقة معدومة بين «الوطني» و «الوطني»؟

المشكلة الأخرى هي تقدير أتعاب المحامين وتقييمها؛ فأصبحت سوق المحامين سوقاً تنافسية في تقدير الأتعاب، واستغل ذلك الموكلون فأصبحوا يلعبون على هذا الحبل ويستغلون ظهور كيانات صغيرة من المحامين لكي يبهروا أعينهم ببريق النتيجة، أو الكم على حساب الكيف، فصارت مراهنة على نجاح القضية والحصول على كذا نسبة من كسبها، وهو الممنوع انتهاجه وفق قانون تنظيم المهنة. وهنا يتساءل البعض: ماذا نفعل وقد صار الموكلون هم القوة التي تسيطر على المهنة وأصبحوا يبحثون على الأرخص على حساب الكيف والنوعية؟

إن المراهنة على اكتساب الدعوى أمر ممنوع شرعاً وقانوناً، ولكنه أصبح واقعاً فرض نفسه على الساحة، وللأسف وبكل بساطة تأتي الجهة المسؤولة عن شؤون المحامين لتعمم بالمنع عن انتهاج هذه الطريقة تحت طائلة المسؤولية، التي أضاعت حقوق محامين كُثر، ولم تضع حلولاً لأصل المشكلة أو تبحثها مع المختصين وأصحاب الهمّ نفسه. خاصة وأنه لا تزال المحاكم وللأسف تقدر أتعاب المحامي في أكبر قضية بمبلغ 1000 درهم وفي عمومها 200 و500 درهم فقط.

فلو وضع قانون لتنظيم أتعاب مهنة المحاماة وأكرر «أتعاب مهنة المحاماة» لأمكن السيطرة على التلاعب في مجال تقدير الأتعاب التي باتت في كثير من الأحيان وللأسف أقل من نسبة تحصيل السمسار من قيمة بيع العقار والبالغة 1% من القيمة الإجمالية، وهذا التحديد يمكن ضبطه من خلال متسوق سري يمر على مكاتب المحامين ويقوم بعرض القضية والنظر في تحديد الأتعاب أو حتى المطالعة على الملفات والمداخيل للحد من استخفاف البعض بالمهنة.

هموم المحامين كثيرة، وأصبحت شكواهم في مواقع التواصل الاجتماعي في وجهة نظري تمثل خطورة وناقوس خطر تستوجب النظر فيها قبل أن يستفحل الأمر ولا يمكن تدارك ما يحصل.

Email