السلف والمذاهب الفقهية والدعوة السلفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

قذف الخريف العربي صراعات المجموعات السياسية المتأسلمة والطوائف المتعلقة بها لواجهة الأحداث، وكل فريق يصارع لتسيد الساحة العربية الإسلامية، لملء الفراغ السياسي الذي نتج بانهيارات الجمهوريات القومية العروبية الاشتراكية الواحدة تلو الأخرى.

هذه الصراعات أتت للأسف بالكثير من الجدل والإسفاف، بل من قبيح الكلام والفعال بما لا يليق بأي معتقد سماوي أو دنيوي أو مشروع دولة متحضر، ولتنجلي لنا صورة المشهد المتشابك والمعقد، لا بد لنا من الرجوع إلى أصول المسميات التي تم توظيفها سياسياً، سواء كانت سنية أم شيعية، بياناً لسمو المذاهب الفقهية مما ألصق بها من وضيع المقولات سعياً لمآرب دنيوية بقصر نظر سياسي يحط من كرامة الإنسان الذي خلقه الباري وكرمه لقوله: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} صدق الله العظيم

1 – السلف: «والسالف المتقدم والسلف والسليف والسلفة الجماعة المتقدمون، وقوله عز وجل: {فجعلناهم سلفاً ومثلاً للآخرين}» كما ورد في لسان العرب.

2 – المذاهب الفقهية: ومن أثر السلف المذاهب الفقهية التي تقوم على استنباط الأحكام الشرعية من الأدلة الواردة في القرآن والسنة وفق قواعد وأصول فقهية محددة، ويمكن تسميتها مدارس فقهية لاتفاقها في العقيدة والأصول والشريعة، ولكن قد تختلف قليلاً في الأحكام المستنبطة في حال كانت ضمن مذهب واحد. وجلها إن لم نقل كلها من أثر السلف بما نقرأ في لسان العرب تعريفاً، وكما ورد بالويكيبيديا توصيفاً.

3 - الدعوة السلفية: منهج إسلامي يدعو إلى فهم الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، وهم الصحابة والتابعون وتابعو التابعين، باعتباره يمثل نهج الإسلام الأصيل والتمسك بأخذ الأحكام من القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة، ويبتعد عن كل المدخلات الغريبة عن روح الإسلام وتعاليمه، والتمسك بما نقل عن السلف. وهي تمثل في أحد جوانبها أحد التيارات الإسلامية العقائدية في مقابلة الفرق الإسلامية الأخرى، فهي منهج وليست بمذهب فقهي من المذاهب الفقهية، كما يتبادر لأذهان كثير من الكتاب قبل عامة القراء والناس، وبها من الجماعات من يستثني بقراءتهم المذاهب الفقهية بدرجات متفاوتة من الإقصاء سواء بالتصريح أو التلميح من صحيح المعتقد بالإسلام.

هذه الاستثناءات من قبل الفريقين كانت سبباً للتطرف بالسباب والشتم واللعان والتكفير الضارب في التاريخ. بوصول الخوميني كوَلي فقيه بإيران أصبح التطرف أشد، وتجلى بما صُدِّر من الثورة الإيرانية كما نشاهد بالعراق وسوريا واليمن ولبنان وسواها من البلاد.

وحيث إن التأسلم هدفه سياسي دنيوي، وحيث إن الوسيلة تبرر الغاية بالسياسة البراغماتية، فمن الطبيعي أن يُنزل المتأسلمون سمو الدين ومثله من عليائه للمبتذل من مآرب الدنيا؛ ولذا رأينا المتأسلمين لا يجدون أدنى غضاضة في التحالف بعضهم مع بعض، رغماً عن اختلافاتهم المتطرفة مذهبياً، وتكفير بعضهم بعضاً سنة وشيعة، يتحالفون فوق الطاولة علناً وتحت الطاولة تقية، سلفيون جهاديون، إخونج، قاعدة، دواعش، سمهم ما شئت من التسميات مع الخومينيين أو الشياطين مهما اختلفت ألوانهم كبروا أم صغروا لإقامة دول خلافاتهم غير الراشدة!

أمام هذه الأخطار المدلهمة الحادة التي تعصف بمنطقتنا العربية والمطالب العربية بالمعاصرة والتحديث والتطوير الاقتصادي، ومع تباطؤ خطى خطط معالجة هذه الأخطار أتت عاصفة الحزم إشارة عسكرية بحزم على جميع المستويات والشؤون في منطقتنا العربية.

وقد أتت كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بمناسبة شهر رمضاننا هذا سنة 2015 بتوقيتها الصحيح: «ماضون بالنأي ببلادنا ومواطنينا عن الفتن والقلاقل.. ونؤكد رفضنا التام للتصنيف المذهبي والطائفي»، وهذا الرفض التام للتصنيف المذهبي والطائفي للحكم بالمملكة مصيب لكبد الحقيقة، وهو المنقذ للمملكة وللمنطقة العربية من منزلق التمذهب لأبعاد لا تبقي ولا تذر، يتمناها على أحر من الجمر من أوقدوا بتمذهبهم ما نشاهد من فتن وحروب مذهبية طائفية ببلادنا العربية.

والرفض التام للتصنيف المذهبي والطائفي تعبير عن حقيقة الإسلام، لكونه أكبر من حصره بأكثر المذاهب أو الطوائف علو شأن وقدر واحترام، وهو أكبر من أي منهج لأي جماعة أو فرد بأي عصر أو أي أرض، ذلك أن الجميع مجتهد، والمجتهد من البشر، لا بد أن يكون له نصيب ولو يسير من الخطأ، رغما عن مدى الصواب الذي قد يُدعى به، فالعصمة لله وما أنزل على أنبيائه من رسالات دون سائر البشر، لقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْر وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} صدق الله العظيم.

لم يكن عدم الرصانة، وكذلك عدم الدقة المرجعية الأكاديمية المطلوبة الذي يلم بالويكيبيديا - التي استندت إليها من باب الشمول والاختصار وسهولة الرجوع لها بالنسبة إلى أغلب القراء - مانعي من كتابة هذه المقالة، بل مساعدة بإيجازها، وبتقريبها للبعيد، وجمعها للمتفرق ببطون المراجع دون خلل كبير مخل، وهذا وفاء لما كان يطلب ويأمرني به دائماً الوالد، رحمه الله، بتقديم زبدة الكلام له ولمن يقرأني ويسمعني!

Email