استهداف مساجد الشيعة له أهداف

ت + ت - الحجم الطبيعي

لسنا سُذّجاً ولا أغبياء إلى هذه الدرجة، كي يتم إقناعنا بأن تنظيم «داعش» أصبح خلال هذه المدة الزمنية القصيرة، هذا الغول المتوحش الذي يسيطر على أجزاء واسعة من العراق وسوريا، ويمتد إلى اليمن وليبيا وسيناء ومالي والصومال ونيجيريا وباكستان، ويوجه ضرباته هنا وهناك، ويواجه هذا التحالف الأممي غير المسبوق، الذي يصب نيران طائراته وقذائفها على مواقعه في العراق وسوريا منذ أكثر من نصف عام.

بينما هو صامد لا يتزحزح عن مكانه، يزداد كل يوم قوة ويوسع رقة نفوذه، يحارب القوات المسلحة العراقية، والقوات المسلحة السورية، والقوات المسلحة التركية، والحشد الشعبي في العراق، والجيش السوري الحر، وحرس الثورة الإسلامية الإيراني، وحزب الله اللبناني، والبشمركة الكردية، وجبهة النصرة السورية.. وغيرها من الجيوش والجماعات والكتائب المسلحة في العراق وسوريا ولبنان، وينتصر عليها كلها!

لسنا سُذّجاً ولا أغبياء إلى هذه الدرجة، كي يتم إقناعنا بأن كل تفجير يحدث في أي بقعة من العالم، وتعلن «داعش» مسؤوليتها عنه، هو من صنع «داعش» العجيبة، وإلا أصبح علينا أن نسلم بهيمنتها على العالم، وسيطرتها على القرار، بحيث تختار هي وقت المعركة ومكانها، وأن نعترف بطول ذراعها وإمكانية أن تصل إلى أي مكان، رغم كل الاحتياطات والإجراءات، وحالات الاستنفار الأمني التي تعلنها الدول لمواجهة عملياتها، هذه العمليات التي تسقط كل هذه الأعداد من الضحايا في الأماكن التي تقرر «داعش» أن تنقل معاركها إليها، محددة ساحة هذه المعارك وساعتها، ونوع الضحايا الذين يسقطون فيها، وجنسياتهم وأديانهم وطوائفهم!

إن كل من شاهد صور القتلى والمصابين الذين غطت الدماء ملابسهم ووجوههم، يوم الجمعة الماضي، في تفجير مسجد «الإمام الصادق» في منطقة «الصوابر» في الكويت، لا يمكن أن يقر عملاً إجرامياً من هذا النوع، أياً كان انتماؤه الديني أو الطائفي أو العرقي أو الفكري والعقائدي، وإلا كان مختلاً عقلياً ونفسياً، يجب إدخاله مصحة عقلية أو نفسية، تماماً مثل أولئك المختلين عقلياً ونفسياً وفكرياً وعقائدياً، الذين يحزمون أنفسهم بالمواد الناسفة والمتفجرة، ليدخلوا بها دور العبادة ويفجروها وسط المصلين، غير مفرقين بين طفل وصبي وشاب ورجل ومسن، يهتفون باسم الله الرحمن الرحيم العادل، الذي لم يرسل الأنبياء والرسل لقتل البشر، وإنما لهدايتهم وإرشادهم إلى الطريق القويم المؤدي إلى النعيم، وليس الجحيم.

لقد جاء استهداف مسجد «الصوابر» في الكويت، بعد عمليتي مسجدي «القديح» و«العنود» في المملكة العربية السعودية، ليؤكد أن المستهدف من هذه العمليات ليس الأخوة الشيعة الذين يؤمون هذه المساجد، وإنما أمن واستقرار هذه المنطقة، التي ما زالت بمنأى حتى الآن، عن الزلازل التي عصفت بالدول الأخرى، وأحالتها إلى خرائب، ومناطق تتصارع عليها الجيوش والجماعات والفصائل المختلفة، بعد أن ثبت أنه لن يتم زعزعة هذا الأمن وتهديد هذا الاستقرار إلا عن طريق استهداف اللحمة الوطنية لشعوب هذه المنطقة، واختراق النسيج الذي تتشكل منه مجتمعاتها، على اختلاف مذاهب أفراد هذه المجتمعات وطوائفهم وأعراقهم، وبعد أن تأكد لمن يقف وراء هذه العمليات أن هذا هو السبيل الوحيد لتحقيق غاياتها، كي تلحق بالدول التي سبقتها إلى التفتت والتجزئة، والعبث بوحدتها الوطنية، بعد أن انخدعت جميع الأطراف في تلك الدول، من قمة سلطتها إلى قاع مجتمعها، بالدعاوى التي استخدمت لتفتيت وحدتها الوطنية، وانساقت للعبة الخبيثة التي رسم خطوطها وحدد قوانينها المستفيدون من هذا التفكك، اللاعبون على كل المحاور، الخادعون لكل الأطراف، الساعون إلى إعادة رسم خريطة المنطقة، وفقاً لما يخدم مصالحهم، ويحقق أهدافهم وأهداف حلفائهم.

إن استهداف مساجد الشيعة لعبة خبيثة تلعبها دول وأطراف في المنطقة، أيديها ليست نظيفة من عمليات شبيهة سابقة ضد أماكن شيعية وأضرحة لأئمة في العراق، عندما لم تكن «داعش» قد خرجت إلى الوجود بعد، ولم تكن «القاعدة» قد أرست قواعدها في العراق بعد.

وقد حققت تلك العمليات أهدافها، فأشعلت فتنة طائفية في العراق بدأت بمساجد السنة هناك، وشملت كل الطوائف، وأدت إلى هذا الانقسام الذي يعاني منه العراق حالياً، وسيظل يعاني منه طويلاً، حتى يفيء الأخوة العراقيون، بسنتهم وشيعتهم وجميع طوائفهم وأديانهم وعرقياتهم، إلى رشدهم، فيعرفون صديقهم من عدوهم، ويعيدون بناء نسيجهم الاجتماعي ولحمتهم الوطنية، اللذين كانا سر تماسك بلدهم وقوته، قبل أن يعبث به الطائفيون، ويمزقوا شعبه الواحد إلى شعوب وطوائف وعرقيات وأثنيات متناحرة.

السذاجة ليست دائماً دليلاً على الطيبة، وشعوب دول مجلس التعاون الخليجي طيبة لكنها ليست ساذجة، ومحاولة تفتيت لحمتها الوطنية، وتمزيق نسيجها الاجتماعي، عن طريق استهداف مساجد طائفة من طوائفها لعبة لن تنطلي على هذه الشعوب، بل ستحرق الذين يلعبونها، دون أن تنال من هذه اللحمة وتمس هذا النسيج. وقد مرت هذه الدول بأوقات عصيبة، ليس هذا الوقت أصعبها، ونجح أبناء دول مجلس التعاون الخليجي في تجاوز هذه الأوقات، والتغلب على كل الأزمات، وسوف ينجحون، إن شاء الله تعالى، في تجاوز هذه الأزمة، لأنهم يعلمون أنه إذا كانت مساجد الشيعة مستهدفة اليوم، فإن مساجد السنة سوف تستهدف غداً، ومن الأيادي نفسها التي تريد بعثرة هذه اللحمة، وتمزيق هذا النسيج. ولأن أبناء هذه الدول أذكى من أن تنطلي عليهم مثل هذه الألعاب الخبيثة، وأكثر وطنية من أن ينقادوا لتحقيق أهداف من يلعبها، فسوف يفشلون هذه اللعبة، وينقلب السحر على الساحر بعد حين.

Email