برامج البث المباشر في الميزان

ت + ت - الحجم الطبيعي

من الصعب أن يتناول أي كاتب أمراً متعلقاً بالإعلام، خاصة إن كان محسوباً على الإعلام بالأصل، ولكن لابد من طرح الرأي، والمسألة يؤخذ منها ويرد عليها.

في خضم الوسائل والقنوات الإعلامية المرئية منها والمسموعة وما استجد علينا من وسائل الاتصال الاجتماعي، نجد أن برامج البث المباشر بمختلف مسمياتها والتي تبث عبر أثير المحطات الإذاعية المختلفة في الدولة لها دور كبير في استقطاب المستمعين بأطيافهم وأجناسهم لكي يطرحوا مشاكلهم على الهواء مباشرة لمذيع البرنامج الذي يحاول بدوره أن ينقل المشكلة للمسؤول المعني، والذي يقوم هو الآخر بالرد الفوري على المشكلة، واتساقاً مع هذه البرامج والتي حظيت بإقبال كبير خاصة بعد ما تأكد المستمعون كافة بأنها متابعة ومرصودة من حكام الإمارات ومن قيادات الدولة عموماً، فبدأت تحمل زخماً كبيراً بل وأكبر من المعتاد، حتى صار لها رعاة وحجم دعايات ضخم، وهو ما يدل على نجاحها.

وفي نسق آخر أصبح المسؤول همه الشاغل متابعة هذه البرامج أو تكليف موظفين مختصين لمتابعة الشكاوى التي تنهال من ساعات الصباح الباكر من السابعة وحتى الثالثة ظهراً عبر محطات مختلفة، بما يعني أن ساعات عمل اليوم كلها مزدحمة بالبرامج المباشرة للشكاوى، وبالتالي فإن المسؤول لن يعمل طوال ساعات عمل اليوم، أو إذا عمل سوف يفاجأ بشكوى تقتحم عليه خلوته التي أراد أن يفكر فيها للإنتاج أو العمل. وبات همه وشغله الشاغل الرد على كل مشكلة تعرض عبر محطات الإذاعة المختلفة.

والسؤال الذي يطرح نفسه هل هذه الآلية في معالجة مشاكل العامة صحيحة أم يمكن أن نضع لها ضوابط ونعمل قواعد أخرى؟

صحيح أن هذه الوسيلة نجحت بشكل كبير في حل مشاكل عدة واجهت المتعاملين أو بينت مشاكل قائمة في جهات معينة صارت إلى التصويب والتصحيح، وكذلك غيرت مسارات العديد من التعاملات، وجاوبت على الكثير من الاستفسارات وعرضت صوراً من الحلول والاقتراحات، إلا أنه بذات الوقت لا يشترط في جميع هذه الاتصالات المصداقية أو خلوها من الكيدية أو أن تحمل المراجع في كثير من الأحيان بعدما تتعثر معاملته لسبب ما، حتى إن كان هو سبب فيها إلى أن يهدد ويتوعد بأنه سيخرج اليوم على الملأ لبرنامج مباشر ليقدم شكواه لفضح المسؤول وفق وجهة نظره، حتى إن بعض الناس باتوا يتكلمون أن المسؤول الفلاني طار من منصبه بسبب مكالمة هاتفية ، وكأن القيادة الرشيدة كانت تنتظر هذه المكالمة لكي تحكم على أحد قياداتها، أو كأن هذه المكالمة هي القشة التي قصمت ظهر البعير لكي تنهي مسيرة رجل قدم ولاءه للدولة.

أنني أسترسل في طرح الأسئلة لأتساءل هل أصبح غرض هذه الأجهزة الإعلامية المحلية التي تبث برامج الشكاوى المباشرة غرضاً مادياً ربحياً على حساب أنظمة الدولة وتنظيمها، أم أن الغرض هو إيصال الكلمة، ونقتصر بالرد على الشق الثاني من السؤال إعمالاً لقواعد حسن النية، فإن كان الغرض إيصال الكلمة فلا ننسى أن الدولة بها برلمانات نيابية يمثلها أعضاء يستطيعون تبني آرائهم.

الشكاوى الشخصية تخرج في كثير من الأحيان عن حدود الطرح النظامي، فهي شكاوى من دون مستندات تدعمها المكالمة المباشرة، أما الحد الآخر منها فإنها باتت سلاحاً مسلطاً على المسؤول يضجع مقامه ومنامه.

بعض هذه المكالمات انقلبت في أحيان كثيرة إلى مكالمات تسول أو توسل، طلب ترقيات استثنائية، طلب أراض ومساكن، أما الصامتون فأمرهم إلى الله، كما باتت في أحيان أخرى مكالمات مستفزة لا تخلو من الاستخفاف أو الاستهزاء بوزارة أو دائرة معينة أو مسؤوليها.

لست مع ولا ضد ولكن هو مجرد طرح لإعادة النظر ويمكن أن يستعاض بآلية واحدة تكون ذات طابع رسمي تتمثل في إنشاء «ديوان للمظالم» أو مسمى آخر تعرض عليه كل هذه المشاكل بطرق احترافية ورقابية لها اختصاصات معينة لا تصل إلى حد دوائر الرقابة الإدارية وصلاحياتها المنتقدة في كثير من الآراء، ولا إلى حد برامج البث المباشر غير المقيدة بحدود التعامل النظامي، بل بينهما وفق أسس علمية وأصولية.

Email