الفاشية في صورتها العربية

ت + ت - الحجم الطبيعي

حين كلفت بكتابة مادة الفاشية للموسوعة الفلسفية العربية في ثمانينات القرن الماضي عدت إلى معناها اللغوي وأصلها وفصلها في المراجع الأجنبية، ولم أتطرق الى الفاشية في إهابها العربي، ذلك لأنها بالأصل ظاهرة أوروبية، نشأت في مرحلة ما بين الحربين، ولكن في الوقت الذي تحررت فيها أوروبا من ظاهرة الفاشية في صورتها النازية والموسولينية والفرانكوية وقد صارت جزءاً من تاريخ مضى عليه الزمن، ها نحن نراها في بعض بلداننا وقد ظهرت في أسوأ مظاهرها.

لن أعود إلى أصل الفاشية وفصلها، حسبي أن أعرفها بأنها جماعة من الناس ذات عصبية أيديولوجية متعصبة منظمة تنظيما صارما يقودها زعيم يتحول لدى جماعته إلى كلي القدرة وإلى آمر مطلق، وتتوسل هذه الجماعة القوة بكل أشكالها لتحقيق أهدافها. ويمكن للفاشية أن تتعين في سلطة حاكمة وفي حركة سياسية وفي جماعات عنفية، كما يمكن للأيديولوجيا الفاشية التي تؤسس للعصبية المتعصبة أن تكون دنيوية أو أن تكون دينية. وما يميز الجماعات الفاشية صرامة التنظيم والشعارات الرمزية، والأشكال الخارجة المرعبة للظهور.

إذا انتقلنا الآن إلى الفاشيات العربية وطبقنا تعريفنا السابق عليها سنجدها أكثر الفاشيات المعاصرة همجية.

مثلت بعض أنظمة الحكم العربية أنموذجاً لفاشية ضيقة من حيث العصبية، ولهذا احتفظت هذه الفاشية بالدلالة الرمزية للزعيم كلي القدرة وتحول مرجعاً للسلوك والانتماء للوطن، فمعيار الانتماء هنا وقف على الخضوع للقائد الرمز، سيد الوطن الخالد الأول في كل شيء، الذي قوله قول فصل، والذي يفتدى بالروح وبالدم. لقد أزاحت رمزية الحاكم رمزية الشعارات العامة للحزب الذي تحول إلى يافطة أيديولوجية ليس إلا. بل والنشيد الخاص بالعصبية الفاشية أتى عليه الهتاف للزعيم.

أما في الحركات غير الحاكمة فتظهر الفاشية العربية الآن في صورة الحركات العنفية التي تستند الى مرجعية أصولية دينية.

إن نظرة إلى القاعدة، وهي ذات تنظيم صارم سنجد كل مقومات الفاشية حاضرة في هذا التنظيم، من حيث العصبية الأيديولوجية، الرمز الزعيم الذي يُصَور راكباً حصانه الأسود، وحاملاً بندقيته يسابق الريح محاطاً بالرايات السوداء والأهازيج الدينية. وما داعش إلا الوريث الشرعي للقاعدة، والتي لأفرادها لباس موحد، يظهر القوة والعنف، ويرفع الراية السوداء مكتوبة بالكلام غير المنقط، وأصوات الرجال بالغناء تعزز العصبية وتسندها والخليفة يرمز الى مركزيته المطلقة .

وبالمقابل نجد فاشية أنموذجية في صورة حزب الله اللبناني، حيث يقف على رأس هذا التنظيم شخص يلقب بالسيد، وترتفع القبضات المعبرة عن التحدي معززة بصياح الحناجر لبيك يا نصرالله. اللباس الموحد في الاستعراض العسكري يمنح العرض الهيبة والالتزام والرايات الصفراء ترتفع عالياً بالسماء وأهازيج الرجال بأصواتهم المصطنعة تضفي على الحشد روح العصبية.

والصورة نفسها تنطبق على أنصار الله في صعدة، ولكن القبضات التي ترتفع للسيد لا ترتدي لباساً موحداً، والرايات التي تعلن الموت لأميركا وإسرائيل واليهود ترتفع عالياً أثناء الهجوم على عدن. لا شك أن حركة أنصار الله الحوثية الفاشية هي صورة كريكاتورية لفاشية حزب الله.لا شك بأن الفاشية في صورها تلك ظاهرة لا تستقيم مع روح الحياة الراهنة والمعاصرة وحاجات الناس إلى الوجود الحر بعيداً عن التعصب الفاشي والعصبيات الضيقة، وعندي أن معركة الثقافة العربية الراهنة، ومعركة الفكر والأدب والفن ضد الفاشيات أياً كانت صورها أمر استراتيجي.

فهذه الحركات الخطيرة على الحياة، على كل أشكال الحياة، ستفسد إذا ما تطاولت واستعرت العلاقات المعشرية المجتمعية، وستعمم عنفها البدائي الهمجي ليطال الحاضر والمستقبل بل والتاريخ.

Email