ذكرى النكبة.. ولو متأخراً

ت + ت - الحجم الطبيعي

حلت في الخامس عشر من مايو الماضي الذكرى السابعة والستون للنكبة وإعلان قيام دولة إسرائيل، وهذه الذكري لا ينبغي أن تمر مر الكرام، ذلك أن الغزاة كما يقول الراحل محمود درويش يخافون من الذكريات .

القضية الفلسطينية ونشوؤها ارتبط منذ البداية بالوضع الفلسطيني والعربي والدولي في آن واحد، وظلت منذ نشأتها وخلال تطورها رهينة هذه الأبعاد الفلسطينية والإقليمية والعربية والدولية، والنكبة لم تكن حدثاً تاريخياً انتهى وانقضى، بل هي حدث تاريخي مستمر بأشكال وتجليات مختلفة وتداعيات متباينة..

والنكبة هي حادث مؤسس وتأسيسي لما بعدها، حيث ارتبط بها وترتب عليها كل مفردات الهزائم العربية؛ النكسة الاستيطان المفاوضات أوسلو والاعتراف بإسرائيل وإقامة السلطة الفلسطينية والقبول بمشروع الدولة الفلسطينية في 22% من أراضي فلسطين التاريخية.

المعادلة التي حكمت مسار النكبة بقيت في واقع الأمر دون تغيير ــ إذا ما استثنينا حرب أكتوبر عام 1973 وحرب الاستنزاف والصفحات المضيئة في تاريخ المقاومة، وتتمثل هذه المعادلة في فجوات التنظيم والإدارة والفجوة العلمية والفجوة الديموقراطية التي تفصل بيننا وبين إسرائيل، فهذه الأخيرة تحصلت على العلم والتنظيم والديموقراطية، بينما افتقد الجانب العربي والفلسطيني هذه العناصر.

وبمرور الزمن اتسعت هذه الفجوات واختل ميزان القوى لغير صالحنا على الأقل في عناصره المتغيرة.

حفلت تجربة النضال الفلسطيني طوال هذه العقود بتنوع هائل في الأدوات والأساليب، وتمكنت من تطوير وابتداع أشكال نضالية ذاتية خاصة في سبعينيات القرن العشرين مثل إنشاء المؤسسات والنقابات والاتحادات المهنية وتطوير العمل المدني والمنظمات، وحصلت على اعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة بالصهيونية كعقيدة عنصرية عام 1974 وبمنظمة التحرير الفلسطينية.

وكذلك حفلت الانتفاضة الأولى بتنوع هائل في أساليب المواجهة الشعبية مع المحتل وحصلت مطالب الانتفاضة الشعبية على تعاطف دولي بل وحتى إسرائيلي، وتمثل حقبة السبعينيات والثمانينيات أكثر صفحات النضال الفلسطيني إشراقاً وتوهجاً..

لأنهما أكثر أصالة في التوجهات وأكثر استقلالية عن أفكار ومفاهيم المستعمر وأكثر تعييراً عن المواجهة الشعبية للاحتلال بأجلى صورهما، ولأنهما باختصار انخرطا في سيرورة استبدال الحالة الاستعمارية بحالة التحرر وهو الهدف الأسمى للمقاومة ومعيار تبنيها لاستراتيجية مستقلة وناجحة.

ولا شك أن النضال الفلسطيني أحوج ما يكون في هذه المرحلة إلى إعادة الحياة لهذا الميراث النضالي الفلسطيني، ووضعه في إطار استراتيجية جديدة تتوجه صوب الاستقلال والتحرر، وعلى ضوء ذلك يمكن لهذه الاستراتيجية الجديدة أن تبدأ بإعادة هيكلة المشروع الوطني الفلسطيني كحركة تحرر وطني وتبني خطاب تحريري بعيد عن خطاب الدولة..

ذلك أن خطاب الدولة ارتبط بالمساعدات الخارجية التي تهدف إلى تحييد المقاومة ودفع ثمن الاحتلال الذي تقوم به إسرائيل، من ناحية أخرى فإن خطاب الدولة يفرض على الفلسطينيين نبذ العنف والمقاومة وإقامة علاقات سلمية بالجيران أي إسرائيل واحترام المعاهدات وهي جميعها التزامات تتناقض مع مهمات حركات التحرير الوطنية الباحثة عن التحرر أولاً ثم يليه الدولة.

على صعيد آخر فإن المشروع الوطني الفلسطيني ينبغي أن يستلهم تقاليد الحركة الوطنية الفلسطينية خاصة «حركة فتح» في الابتعاد عن الإيديولوجيا بقدر الإمكان، وتبني إطار واسع للعمل الوطني لا يقصي أياً من الأطياف السياسية والفكرية الفاعلة في المشهد الفلسطيني، وأخيراً وليس آخراً..

فإن المشروع الوطني الفلسطيني ينبغي أن يتحصن بالاستقلال والانسلاخ عن مفاهيم ورؤى المستعمر، ذلك أن الخط الفكري والسياسي لحركة التحرر الوطني الفلسطيني ينبغي أن يسمو فوق تفكير المستعمر ولا يعيد إنتاج أفكاره بطريقة معكوسة.

كذلك، وفي نفس السياق أي سياق التحرر من أفكار ومفاهيم المستعمر، فإن حق الشعب الفلسطيني في أرضه ووطنه وتاريخه، لا ينبغي أن ينخرط في إطار ما يسميه اليهود والإسرائيليون بالحق التاريخي، ذلك أن الفلسطينيين ليسوا بحاجة ليبرروا وجودهم في وطنهم، فالحاضر والتاريخ ينطق بذلك دون حاجة للتبرير، وهل يحتاج المرء ليبرر علاقته بوطنه أو بأرضه؟

 

Email