من أجل البهجة... الثقافة للجميع

ت + ت - الحجم الطبيعي

عائد من إحدى أعرق القرى المصرية قاطبة «دندرة»، حيث حفرت القرون والثقافات علاماتها في الإنسان، ورسخت وتأصلت كعنوان على الأعماق الغائزة في التركيبات المتعددة وتواريخها في نسيج المصري الصعيدي، حيث التجاور والالتحام بين معبد حاتحور -آلهة الجمال- حاملاً تاريخاً من العظمة والبناء والحضارة والإنسان الحامل لهذه المواريث وتواريخها المتعددة، ظلت سياسة الثقافة الرسمية منكمشة على استعراضاتها في العاصمة حول حواشي «السلطان الجمهوري»..

وبعض من مثقفي القاهرة وحولهم بعض من مثقفي الأرياف، ومؤتمرات ما يسمى بأدباء الأقاليم، بينما العمل الثقافي -أفكار ومشروعات ومبادرات- يفتقر إلى الرؤيا والخيال الإبداعي، وروح المبادرة الخلاقة، إزاء الجنوب الذي تسري في دمائه الحيوية والإبداع..

وظل مقصياً في غالبه من حضور المؤسسة والسلطة الثقافية الرسمية المهجوسة بوهم النخبة وجذب اهتمام «السلطان الجمهوري» عند قمة الحكم في العاصمة الصاخبة بطبول الأنشطة التي تستهلكها القلة النخبوية الكسولة. مفعُم بالبهجة والأمل إلى حد ما بعد قضاء أيام منتدى مركز دندرة الثقافي الأول، الذي جاء بمبادرة شجاعة ومحمولاً على إرادة الأمل، والدافعية للفعل -والتغيير للواقع الاجتماعي والاقتصادي المأزوم، والرغبة العارمة في التغيير- من الأسرة الدندراوية بقيادة أحد أبنائها الأمير فضل الدندرادي..

وعديد من شباب الأسرة –زميلنا هانئ رسلان- في الصعيد وخارجه، وذلك تطويراً وتجديداً لتقاليد الأسرة التي كانت دندرة مقراً لقبيلة الإمارة أو الأمراء التي هاجرت إلى مصر في القرن الخامس عشر الميلادي من المغرب، حيث تأسست على يد محمد الدندراوي عام 1875، وتعتبر الأسرة الدندراوية ممثلة لتيار الوسط الإسلامي المعتدل الذي يؤسس على التسامح وعدم الجمود، وأن الدين أجياله متوثبة والدنيا معاصرة متجددة.

الأسرة تمتد داخل مصر، وفي عديد البلدان العربية والإسلامية والغربية ولا تعمل بالسياسة، ومن أوجه عملها الأخلاقي والروحي والثقافي إصدارها للوثيقة البيضاء، وتم اعتماد مفهوم المراكز الثقافية، بديلاً عن مسمى الساحات.

خلال الأيام من الخميس 21 إلى الأحد 24 مايو 2011 عقد المنتدى الثقافي الأول، الذي حضره في يومه الأول أكثر من خمسة آلاف، ثم إلى ما يقرب من عشرة آلاف شخص، في تنظيم محكم، وشكل جميل

المنتدى الأول، جمع فعاليات أخرى، منها فن الواو وشعراؤه الكبار في الجنوب ومعرض للفنون التراثية، وللكتاب، وعديد الجلسات -حضرها من خمسة آلاف إلى أكثر من عشرة آلاف رجل وامرأة وطفل وطفلة- يستمعون إلى المحاضرين.

شارك أيضا شعراء دندرة وقنا والصعيد والنوبة فى أمسية شعرية. يعتمد مركز دندرة الثقافي على رؤيا تذهب إلى أن «الإنسان هو موضوع ومادة التنمية المستدامة، فبغير بناء الإنسان لا تتحقق التنمية»، سياسة الثقافة من أسفل من خلال انطلاق المبادرات الفردية، والجماعية من المجتمع الأهلي للربط بين «التنمية المستدامة»، وبين المكون الثقافي كرافعة أساسية لها..

هذا الإدراك والتصور جديد في مواجهة تراجع فاعلية الثقافة من أعلى، وذهنية الفصل بين الثقافة والتنمية لدى النخب السياسية المصرية المتعاقبة التي قامت بتأميم المبادرات الفردية والجماعية من خارج جهاز الدولة، بل وقمع هذه المبادرات عند المنابع. من هنا شكلت مبادرة الأسرة الدندراوية مفاجأة مبهجة من خلال العمل الجاد والدؤوب الذي قد يؤدي إلى تغيير وجه الحياة والإنسان في الجنوب. عمل رائد مفعم بالحيوية، ويتدثر بالأمل من خلال الروح الشابة الجديدة التي تريد التغيير للأفضل بالإرادة وشباب الفكر والفعل.

 

Email