إسرائيل وحدها.. لا تخشى «داعش»

ت + ت - الحجم الطبيعي

حالة من الترقب وربما الارتباك تسود الكثير من الأوساط الدولية والشرق أوسطية انتظاراً للسياسات الإسرائيلية المقبلة في ظل الحكومة اليمينية المتطرفة بزعامة بنيامين نتانياهو وسط مؤشرات عديدة على عودة المياه إلى مجاريها فيما بين واشنطن وتل أبيب أو على الأقل تراجع الضغوط التي كانت قد تصاعدت مؤخرا من جانب الإدارة الأميركية الحالية.

وليس خافيا أن الرئاسات والإدارات الأميركية المتعاقبة هي التي وفرت لحكومات الكيان الصهيوني منذ نشأته الغطاءات السياسية والدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية والمالية الضرورية لتوظيفها لخدمة الاعتداءات الصهيونية في كل الاتجاهات.

وليس أدل على ذلك من مواقف واشنطن السلبية مؤخرا تجاه مبادرات إعلان منطقة الشرق الأوسط خالية من السلاح النووي.

مثل هذا الدعم الذي كان بمثابة شريان الحياة لإسرائيل في كل مراحلها لم يقتصر على العلاقات الثنائية فحسب وإنما امتد كذلك إلى المؤسسات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة لحماية إسرائيل وإنقاذها من الإدانات المتكررة وكذلك لتعويمها في مواجهة أية قرارات تطالبها باستحقاقات دولية في الشرق الأوسط كالانسحاب من الأراضي المحتلة أو وقف الاعتداءات أو نزع السلاح أو غير ذلك من القرارات الدولية المؤثرة والتي كان التزام إسرائيل بمجرد قرار واحد منها كفيلا بإحلال السلام والاستقرار في المنطقة إذا ما تم تنفيذه بالفعل.

وبرغم كثير من التحولات على الصعيد الدولي رفضا للهمجية الإسرائيلية وللمطالبة بالانسحاب من الأراضي المحتلة إلا أن مثل هذه السياسات لا تزال مستمرة، حيث ألقى الرئيس الأميركي باراك أوباما بكرة لهب جديدة عندما أعلن غداة قمة كامب ديفيد أنه لا يتوقع حل الخلافات الفلسطينية الإسرائيلية وخاصة ما يتعلق بحل الدولتين خلال العام المقبل، والمعنى واضح بالتأكيد وهو أنه شخصياً سيغادر البيت الأبيض العام المقبل تاركا هذه المشكلة المتفجرة لإدارة أميركية جديدة أغلب الظن أن القضية الفلسطينية لن تكون من أولوياتها.

وفي ذلك دعم جديد وصريح لحكومة نتانياهو الذي أعلن في ذروة حملته الانتخابية رفضه لفكرة الدولة الفلسطينية وتأكيده على يهودية إسرائيل بما يجعل حكومته المقبلة عنوانا للتطرف الذي يلقي بالقطع بظلال قاتمة على المنطقة ككل.

فليس خافيا محاولات إسرائيل لنسف أي اتفاق تقوده الولايات المتحدة بخصوص البرنامج النووي الإيراني حتى مع وجود ضمانات وقيود وضوابط دولية صارمة تضمن عدم عسكرة هذا البرنامج، إلا أن إسرائيل تعتبر موقفها مسألة مبدأ وترى أن إيران باتت على أعتاب إنتاج أسلحة نووية ويجب منعها من ذلك، مستفيدة في هذا من التوترات الإقليمية المتفاقمة والمسألة الطائفية التي تفجرت وتزايدت أيضا بشكل مخيف، بما يحقق المصالح الإسرائيلية. فهذا الذي يحدث في المنطقة العربية يمثل بدون أدنى شك أفضل الهدايا المجانية التي يمكن أن تحصل عليها ويحقق لها أهدافا ما كان يمكن تحقيقها لو شنت بنفسها وبقواتها عشرات الحروب.

أن تكون الحروب الأهلية مشتعلة في سوريا واليمن والعراق وليبيا بهذا الشكل المدمر، وأن تكون أطراف إقليمية كبرى تعيش حالة من التوتر الواضح تجعلها تنصرف إلى شؤون أخرى غير التنمية والبناء والتطور، فضلاً عن عدم تخصيص مزيد من الجهد لمواجهة الهمجية الإسرائيلية، فتلك أمور تساعد بلا شك حكومة نتانياهو على تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب المجانية، بل والعمل على تعظيمها من خلال استغلال الموقف الراهن وتصعيد حالات التوتر القائمة بين مختلف الأطراف.

يساعدها على ذلك تلك الحالة الغريبة والغامضة، كونها تقريبا الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط وربما العالم التي لا تخشى داعش كما كان حالها تماما مع تنظيم القاعدة برغم أنه يفترض أن مثل هذه الجماعات الجهادية ظهرت إلى الوجود ومن ضمن أهدافها الأساسية إبادة الكيان الصهيوني، ولكن الواقع الحالي يرصد عكس ذلك تماما، حيث لا تقترب تلك الجماعات من إسرائيل، بل إن تنظيم داعش يواصل عملياته ويتمدد ضد المسلمين والعرب كما تمر السكين في قالب من الزبد وكأن عمليات التحالف الدولي تمهد له الطريق بالقصف الجوي بدلا من وقف هجماته.

والغريب أيضا أن عمليات داعش التي طالت المواقع الأثرية والتاريخية في العراق تتصاعد الآن في مثيلتها في تدمر السورية وكأنها سياسة مخططة من قوى شيطانية كبرى، وتفتح تلك الحقائق المرتبطة بداعش والحروب الأهلية العربية وهداياها المجانية التساؤلات مجددا حول حقيقة الدور الإسرائيلي في تصعيد التوتر بالمنطقة وإذكاء نيران الحروب فيها.

فلا شك في أن يد إسرائيل العدوانية تلعب الدور الأخطر في صناعة هذا التوتر من خلال وسائل وأساليب حروب الجيل الرابع التي تمنحها امكانية تحقيق أهدافها بدون تدخلات عسكرية صريحة ولكن بوسائل حديثة تكفل لها تحقيق أهدافها والكثير من مكاسبها بدون خسائر ظاهرة أو خفية.

وقد تزايد هذا الدور في ظل حكومة نتانياهو في السنوات الماضية من خلال كتائب المخابرات الإلكترونية الخاصة، وأغلب الظن أنه سيتزايد في ظل ولايته الجديدة وبوجود حكومته المتطرفة وذلك للتكيف مع حقائق العصر الجديدة والظروف الدولية القائمة التي لا يستطيع نتانياهو في ظلها شن حروب عسكرية صريحة فيصبح البديل أمامه التخريب من داخل الدول المستهدفة.

وهذا ما يجري بالفعل على أرض الواقع وسيستمر في الغالب في المرحلة المقبلة لتلعب حكومة نتانياهو المتطرفة دورها المعهود في تصعيد التوتر بالمنطقة، ليس فقط للتهرب من استحقاقات السلام ولكن أيضاً لتأكيد الهيمنة الإسرائيلية في المنطقة. وفي ضوء ذلك يمكن فهم حقيقة تفجير مسجد شيعي في القطيف السعودية قبل أيام قليلة.

Email