لأنه خليفة الخير.. سما فعفا

ت + ت - الحجم الطبيعي

لأنه الشيخ خليفة، الكبير نفساً، والكبير موقعاً، والكبير معنى، سما وعفا عمن أساؤوا لبلاده وجاؤوها بنية الشر والأذية. ولأنه «بن زايد» الذي ورث عن أبيه أنبل خصال المروءة وكرم النفس وطيب الخلق، سما وعفا. ولأنه رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، قدّم للعالم وللعرب مثلاً حياً على معنى التسامح مع المسيء، والترفع عن الصغائر، والتعالي على الجراح، فكان أن سما وعفا.

ذلك أن قرار سيدي صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، بالعفو والإفراج عن المواطنين القطريين اللذين صدرت بحقهما أحكام من دائرة أمن الدولة في المحكمة الاتحادية العليا ليس مستغرباً على من اتسم بالعفو منذ أول يوم تولى فيه سدة المسؤولية الأولى في هذه الدولة الحبيبة.

وسموه، حفظه الله، مدرسة في العفو والحلم وسعة الصدر والتعامل الإنساني وتقديم المصالح المشتركة، وهذه مبادئ أساسية في البنيان الأخلاقي لدولة الإمارات العربية المتحدة يندر من يستطيع فهمها وخصوصاً من يخلطون بين الدبلوماسية والعلاقات الثنائية المنتجة وبين التذاكي!

لقد أثبت صاحب السمو رئيس الدولة، حفظه الله، مجدداً أنه هو القلب النقي الذي يروينا بالتسامح ويزهر بالسعادة تماماً كالأرض التي تزدهر بعد المطر، مسطراً أعلى درجات سمو الأخلاق في الصفح عن المسيء والإحسان إليه وعدم رد الإساءة بمثلها، كيف لا وهو، حفظه الله، كان دائماً الجسر الذي يصل ويصلح بين الدول والأشقاء ولا يفرق.

ولكن عفو سموه، حفظه الله، يحمل هذه المرة مجموعة من الدروس الملهمة التي ينبغي علينا كأبناء الإمارات، أن نتعلمها ونستفيد منها، مثلما هي دروس لغيرنا نتمنى أن يرتقوا لمستوى الاستفادة منها بما فيه مصلحة الجميع.

فالدرس الأول هنا هو الحرص على احترام الدستور والعملية القضائية ككل، فلم يصدر العفو إلا بعد استكمال حلقات التقاضي واكتساب الأحكام الصفة القطعية.

وعندما يكون صاحب السمو رئيس الدولة، حفظه الله، بهذا الحرص في التعامل مع الدستور والعملية القضائية فإنه يوجه رسالة طمأنينة إلى كل مواطن مؤداها احترام البنيان الدستوري للدولة حتى في مجال إعلاء البنيان الأخلاقي، لأن هذا معناه في التطبيق الأوسع احترام سيادة القانون وعدالته.

أما الدرس الثاني فهو أن العفو عند المقدرة ليس ضعفاً، بل شجاعة، لأن العفو دليل التسامح، والتسامح صفة من صفات الأقوياء والشجعان، ولطالما ارتبطت في تاريخنا الإماراتي والعربي والإسلامي قيمتا التسامح والشجاعة، وكلتاهما من صفات النفوس الكبيرة مثل نفس صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد، حفظه الله.

ولكم أن تتخيلوا لو أننا في علاقاتنا الشخصية والعائلية نتعلم هذا الدرس الثمين من سيدي صاحب السمو، فنعفو عن بعض ونتسامح مع بعض.

ثم ثالثاً إن العفو فتْح لصفحة جديدة، وهو ما أورده البيان الرسمي بالنص على أن أمر سموه الكريم ينطلق من الحرص على توطيد العلاقة بين قيادتي وشعبي البلدين الشقيقين..

وهو أمر طبيعي بعد تفاهمات الرياض وإعلان إماراتي لحسن النوايا. فقد كان بالإمكان أن نكتفي بترك الأمور للقضاء، والمسألة في النهاية محسومة بقرار المحكمة، لكن حكمة القيادة أرادت أن تبادر بالخير وأن توضح للجميع أننا وإن كنا لا نسكت على حقنا، فنحن أيضاً لا نضمر الضغائن، بل ونقدم الصالح المشترك ما كان إلى ذلك من سبيل.

وحين نقول البلدين الشقيقين، والصالح المشترك، فهي دعوة إلى الجميع بأن نفهم جميعاً مضمون عفو سموه على أنه رسالة إلى بدء مرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين تقوم على الصالح المشترك وعلى ما يجمع البلدين لا ما يفرقهما، وفي يقيني أن كل عاقل يدرك تماماً أن ما يجمع البلدين أكبر بكثير مما يفرقهما.

ورابعاً فإن العفو لا يعني بأي حال من الأحول القبول بأية إساءة تالية، بل ربما تكون العقوبة عندها أشد، وردة الفعل أقسى، فإن الحليم يحلُم مرة، والعرب تقول: اتق غضبة الحليم إذا غضب. وهذه نقولها إلى الذين لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب ويعتقدون أن لا وجود لهم إلا بإثارة الفتنة وتخريب العلاقات الثنائية والإساءة لأشقائهم في الإمارات وبقية دول الخليج.

ويبقى أن عفو سيدي صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، مأثرة جديدة تضاف إلى مآثر الشيوخ الفلاحيين زعماء هذا الحمى وشيوخ ربعهم، يعفو مقتدراً وعن طيب خاطر، ولكنه بالمقابل يكبر في أعيننا مع كل مكرمة أضعافاً مضاعفة، فلله دره كم دعت له القلوب ورفعت الأيادي إلى الله تعالى في علاه داعية له بالصحة والعافية ودوام العز والمجد، سدد الله خطاه.

وكل ذلك، لأنه خليفة الخير... الذي سما، فعفا!

 

Email