سفينة إنقاذ الحياة الحزبية المصرية

ت + ت - الحجم الطبيعي

في خطوة لافتة تسبق الانتخابات البرلمانية جمع الرئيس عبد الفتاح السيسي قيادات حزب الوفد المتنازعة فيما بينها للقاء بالقصر الرئاسي، سعياً لإنهاء الأزمة الداخلية التي يعاني منها الحزب منذ فترة..

والتي وصلت الى حد المطالبة بسحب الثقة من رئيسه وهو ما رد عليه بجملة من الاجراءات من ضمنها تجميد عضوية عدد من تلك القيادات. وقد نجح اللقاء في احتواء الأزمة نسبيا وتم التراجع عن بعض القرارات وأُجريت منذ أيام انتخابات الهيئة العليا لتبدأ صفحة جديدة يُرجى لها الاستمرار.

ولكن قبيل هذا اللقاء انطلقت دعوة تبنتها صحيفة «المصري اليوم» تحت عنوان «لمصر قبل أن يكون للوفد» مضمونها باختصار أن يعيد الوفد انتاج نفسه ليكون هو الحزب الكبير في المرحلة المقبلة ويحل محل الحزب الوطني الذي انتهي دوره سياسيا وقضائيا بعد قرار حله، لماذا الوفد تحديدا؟ وهل هذه الدعوة قابلة للتطبيق بغض النظر عمن يتولى رئاسته؟

أما عن الجانب الأول، فالمعروف أن «الوفد» تاريخيا كان يحتل مكانة متميزة بل شديدة الخصوصية لدى قطاع كبير من المصريين وليس كل المصريين بالطبع وأن هذه المكانة لم يقو أي حزب معاصر له أن ينافسه فيها رغم وجود أحزاب كانت لها قيمتها الفكرية. ولذلك سمي بـ«بيت الأمة»، بل ومن يعشق أدب نجيب محفوظ لابد وأن يحب الوفد الذي كان قاسما مشتركا في معظم رواياته.

لكن هذه لم تكن كل القصة. فنفس الحزب الذي احتفظ بتلك الصورة المثالية اعترته الكثير من الصراعات الداخلية والاختلاف حول أسلوب معالجة القضايا الكبرى داخليا وخارجيا، ووصلت الى حد الانشقاق عنه وتشكيل أحزاب أخرى . اذن مسألة الصراعات الداخلية ليست جديدة وليست هي المشكلة في ذاتها، ولذلك دارت الخلافات على أرضية فكرية وليست مجرد صراعات شخصية أو نزاع على القيادة.

الوفد الحالي ليس هو الوفد القديم حتى وان حمل ارثه التاريخي وبعض ملامحه، فالجديد عاد في مناخ مختلف تماما وفي ظل نظام حزبي لم يعترف سوى بوجود حزب واحد مهيمن هو الحزب الحاكم الذي لم يترك هامشا كبيرا لممارسة السياسة وهو ما انعكس على جميع الأحزاب، بل ولم تكن هناك أحزاب كبيرة الا اسما..

وفي المقابل عانت الهوية السياسية للوفد الجديد من الاضطراب ولم تعد بنفس رونقها ووضوحها القديم. بعبارة واحدة فإن اسقاط الماضي على الحاضر وانتظار أن يحتل حزب الوفد تلقائيا موقع سلفه ليكون جامعا للمصريين قد يُحمل الحزب بأكثر مما يقدر عليه فعليا أو على الأقل يحمل قفزا على الواقع الحالي.

أما عن مغزى الدعوة المشار اليها، فهي تكشف الواقع الحزبي الحالي وتثير قضايا جديرة بالمناقشة، وأولها أن الأحزاب عموما-بصرف النظر عن وصفها بالكبيرة أو الصغيرة- مازالت ضعيفة والدليل أن تحرك الشعب دائما ما يسبقها..

حدث ذلك في ثورتي 25 يناير و30 يونيو على السواء، وأن الأحزاب الجديدة التي تأسست في أعقاب الثورة الأولى (أمثال «المصريين الأحرار» و«الدستور» و«الديمقراطي الاجتماعي» والتي راهن عليها البعض لسد الفراغ السياسي والمدني) لم تستطع تحقيق تواجد ملموس رغم أن بعضها يمتلك تمويلا هائلا مدعوما من رجال أعمال ذوي شهرة كبيرة. ث

انيا، أن البرلمان القادم حال أجريت الانتخابات لن يأت بجديد ولن يشكل اضافة في ظل تلك الأوزان الحزبية الهشة. ثالثا، أن اللجوء لأسرع الحلول باستبدال الحزب الوطني الذي كان حزبا بيروقراطيا أو حكوميا بامتياز بالوفد الذي لم يملك يوما هذه الآليات يعطي الانطباع بالرغبة في استنساخ نفس التجربة وتحويله الى حزب «سلطة» بشكل فجائي هو ما قد يشكك في مصداقيته. أخيرا، فإن الحديث عن ضرورة تجديد النخبة لحزب الوفد تحديدا حرصا على دوره في المسار السياسي مستقبلا قد يكون منطقيا- بالنسبة له أو لغيره..

- ولكن هذه تظل مسؤولية الحزب، لأن مجرد ضم شخصيات عامة أو سياسية لا يمثل حلا في ذاته اذ لا بد أن تحكمها خلفية فكرية متجانسة والا أصبح حزبا بلا لون أو برنامج متماسك..

وهو ما يحتاجه أي نظام حزبي بمعنى أن يعبر كل حزب عن توجهات واختيارات محددة، أما اذا اختُزل الأمر في تشكيل جبهة عريضة تضم كافة الأطياف من ليبرالية الى يسارية أو ناصرية واسلامية على غرار «جبهة الانقاذ» مثلما ينادي البعض وتقترحه هذه الدعوة، فإننا سنكون بذلك خارج نطاق التقاليد المتعارف عليها للأحزاب، فمثل هذه الجبهات تتشكل فقط في بعض الظروف الاستثنائية مثلما كان الوضع قبل ثورة 30 يونيو.

 

Email