الأوروبيون والتسوية.. هل من جديد؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

حين يتحدّث الأوروبيون عن نيّتهم بذل مساع لإحياء جهود التسوية الفلسطينية الإسرائيلية، فإن أول سؤال يلح على الذهن هو: لماذا في هذا التوقيت؟.. ذلك لأن الأوروبيين عودونا والمعنيين أن مداخلاتهم وتحركاتهم على خط التسوية، الملقاة بكاملها تقريباً في حجر الولايات المتحدة الأميركية، غالباً ما تتزامن وتعرض هذه العملية لنكسات أو وكسات.

خروج الأوروبيين عن بياتهم وكمونهم هذه المرة يثير الاعتقاد مجدّداً في صحة هذا التصور. فالمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية تعاني من حالة ضمور وتيبّس لأكثر من عام بطوله. وقد فشل الراعي الأميركي في ترطيبها وإعادة تشغيلها، بسبب مواقفه غير الحازمة تجاه الطرف الإسرائيلي المتعجرف. وليس ثمة في الأفق ما يوحي باحتمال تجاوز هذه الحالة، بعد أن جنحت نتائج انتخابات الكنيست الأخيرة بالمفاوض الإسرائيلي أكثر فأكثر الى مدارات التطرف والغرور. لقد أنتجت هذه الانتخابات حكومة ذات مكونات لا ينتظر منها أي تعاطف أو تلاق مع أكثر الفلسطينيين مرونة.

يقال عن حق بأن الإدارة الأميركية غاضبة من الاستعصاء الإسرائيلي. لكن التقاليد والسوابق وحميمية العلاقة الخاصة مع إسرائيل، لا تسمح لواشنطن بترجمة هذا الغضب إلى ضغوط أو مطالب ثقيلة من هذا الحليف المشاكس. أكثر من ذلك مدعاة للدهشة أن واشنطن هي التي تخشى من إقدام إسرائيل على ضربة أحادية ضد المشروع النووي الإيراني، تؤدي إلى خلط الأوراق الخاصة بالاتفاق الدولي حول هذا المشروع. هذا المناخ يصلح تماماً لاضطلاع الأوروبيين بتحرّك، يشغلون به حالة الفراغ والسكون المخيمة على مسار التسوية. لقد عهدنا منهم هذا السلوك في أجواء ومناسبات مشابهة. ومع ذلك فلن نخسر شيئاً إذا ما تابعنا «طبعة» أخرى من هذه الإطلالات.

من يدري، ربما شربوا أكسير الشجاعة والاستقلال وفاجأونا ببضاعة غير مزجاة.

ومما يشاع بهذا الخصوص أن هذه الطبعة ستكون جديدة ومنقحة، على اعتبار أن الاتحاد الأوروبي يزمع عقد لقاء في وقت قريب ليتخذ قرارات مصيرية ضد التعنت الإسرائيلي، ومنها النظر في سحب الجنسيات الأوروبية من جميع الإسرائيليين الذين يسكنون المستوطنات، ليس في الضفة الفلسطينية فقط وإنما في الجولان أيضاً، وأنهم ربما أقروا عقوبات اقتصادية على إسرائيل، لا تكتفي برفض استقبال البضائع المنتجة في المستوطنات، وإنما تصل إلى مطالبة الشركات الأوروبية بقطع جميع العلاقات مع الشركات الإسرائيلية التي تعمل في المستوطنات.

تقديرنا أن هذه العقوبات لا ترقى إلى الأنماط المصيرية التي تجبر إسرائيل على إعادة النظر في احتلال فلسطين وهضبة الجولان. لكنها في كل حال خطوات توحي بالصرامة والجدية، قياساً بالمواقف المائعة والإنذارية وبيانات العتب الرقيق غير المشفوعة بالنفاذ، التي أدمنها الأوروبيون ولم يعبأ بها الإسرائيليون، ومللناها نحن العرب لعشرات السنين.

لا ندري إن كانت المصادفة وتصاريف القدر وحدهما، أديا إلى تزامن اعتراف الفاتيكان بالدولة الفلسطينية مع السنوية السابعة والستين للنكبة، ومحاولة المشروع الصهيوني لإزالة فلسطين من كل الخرائط. لكن هذا التزامن يبدو فارقاً، وربما كان محسوباً إذا ما أدركنا أن الفاتيكان يحوي عدداً من أكثر السياسيين معرفة بظاهر القضايا الدولية وباطنها. أليس هؤلاء هم ورثة من تمكنوا من سيادة القارة العجوز لأكثر من خمسة عشر قرناً.

علاوة على مبادرة الفاتيكان النوعية، هناك مؤشر آخر قد يفيد في توقع مدى الانشغال الأوروبي بتحريك مسار التسوية عبر إظهار العين الحمراء لإسرائيل.. هو أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري طالب الأوروبيين بتأجيل تحرّكهم الوشيك، بزعم التركيز على إنجاز الملف الإيراني. وليس من دأب واشنطن البوح بمعارضة مثل هذه المداخلة التي قلنا إنه يتم توظيفها تقليدياً في المداراة على العجز الأميركي وإشغال المعنيين بتحركات وهمية.

Email