إدارة أوباما ومبدأ آيزنهاور

ت + ت - الحجم الطبيعي

دول الجوار في مناطق عديدة من العالم على احتكاك بينها لأسباب عديدة يرجع بعضها إلى ضغائن خلفتها حروب حدثت في الماضي ولاتزال ذكريات بعض أحداثها أو شخوصها حية في ثقافات شعوبها أو بسبب خلافات الحاضر حول عائدية بعض الثروات الطبيعية أو الأراضي الحدودية.

بعض هذه الدول غير قادر على الوقوف بوجه دولة أكبر منها حجماً وأشد كثافة سكانية وأقوى جيشاً، لذلك تبحث في حالات غياب حسن النوايا لدى الجار إلى إيجاد حالة توازن عن طريق عقد تحالفات مع دولة أو دول أخرى لها بعض المصالح في الدخول في تحالفات من هذا القبيل سواء كانت هذه المصالح مباشرة أم غير ذلك مما يتعلق بمجمل الرؤى الاستراتيجية على مستوى إقليمي أو دولي.

إلتزامات دولة في الدفاع عن أمن وسلامة دولة أو دول أخرى قد تتخذ صيغاً مختلفة، فقد تكون وفق اتفاقية مكتوبة ومعتمدة من مؤسسات دستورية في البلدان ذات العلاقة.

وقد تأتي بصيغ أخرى يُعبر فيها عن هذا الإلتزام بإعلان مشترك من قبل رؤساء الدول وفق الصلاحيات الدستورية المتاحة لهم. الولايات المتحدة دخلت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في عدد من الاتفاقيات الدفاعية مع دول أخرى في أوروبا وفي شرق آسيا أبرزها حلف الناتو للدفاع عن أوروبا الغربية واتفاقية الدفاع المشترك مع اليابان. هذه الاتفاقيات أبرمتها الولايات المتحدة للدفاع عن حلفائها في أوروبا وآسيا إبان حقبة الحرب الباردة لمواجهة المخاطر التي كانت تتأتى من الاتحاد السوفيتي السابق وشركائه في حلف وارسو، وقد حظيت تلك الاتفاقيات بمصادقة واعتماد الكونغرس لها.

وهناك نوع آخر من الالتزامات الدفاعية غير المحددة بدول معينة يُترك فيها لرئيس الولايات المتحدة خيار البت بالأخذ بها من عدمه وذلك حسب ما ترى إدارته مدلولاتها على الأمن القومي الأميركي، ويعتبر مبدأ آيزنهاور مثالاً على ذلك. أعلن عن هذا المبدأ للمرة الأولى في خطبة ألقاها الرئيس آيزنهاور في يناير 1957 ضمن رسالة موجهة إلى الكونغرس حول الوضع في الشرق الأوسط، وقد صادق عليها الكونغرس في مارس من العام نفسه.

ويفيد هذا المبدأ بأن «بمقدور أي بلد أن يطلب المساعدة الاقتصادية الأميركية و/ أو العون من القوات المسلّحة الأميركية إذا ما تعرض لاعتداء مسلّح من قبل دولة أخرى». وقد صدر هذا المبدأ لمواجهة النفوذ الذي بدأ يحظى به الاتحاد السوفيتي في منطقة الشرق الأوسط ولملء الفراغ الذي تركه إنحسار النفوذ البريطاني والفرنسي في المنطقة وإزدياد الكراهية للغرب وللأنظمة الحليفة له مع تصاعد قوة الحركات القومية.

والحقيقة أن هذا المبدأ يتجاهل دور الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ويتيح للولايات المتحدة حرية نشر قواتها في أي مكان من العالم والدخول في عمليات عسكرية دون الحاجة لقرار المنظمة الدولية التي من صلاحياتها النظر في الصراعات الدولية وذلك وفق الفصلين السادس والسابع من ميثاقها.

كان أول تطبيق لهذا المبدأ عام 1958 عند نزول القوات الأميركية في بيروت بطلب من الرئيس اللبناني آنذاك كميل شمعون، وهو إجراء لم يكن متفقاً مع فحوى هذا المبدأ إذ لم يكن هناك عدوان عسكري على لبنان. ورغم تعاقب عدد من الرؤساء في البيت الأبيض بعد صدور هذا المبدأ إلا أنه بقي ذا أهمية خاصة لديهم، لأنه يمنحهم الأدوات لممارسة دور القوة العظمى في العالم.

تأتي قمة كامب ديفيد التي جمعت القادة الخليجيين مع الرئيس الأميركي باراك أوباما مؤخراً بعد تفاقم الشكوك بأهداف الإدارة الأميركية من انتهاج سياسات تضعف من مناعة دول الخليج أمام الأخطار الخارجية التي تهدد أمنها واستقلالها.

فثمة مفارقة تكمن في العلاقات بين هذه الدول والولايات المتحدة خاصة ما يتعلق منها بالجانب الأمني. لقد كان للولايات المتحدة حضور قوي سياسي وعسكري في الخليج طيلة عقود من السنين لم تكن هناك تهديدات جدية تتعرض لها دوله إذ كان مصدر المخاطر يقبع على بعد آلاف الكيلومترات، أما الآن فإن العكس هو الذي يحدث، فالولايات المتحدة من خلال سلسلة من الإجراءات والمواقف العسكرية والسياسية والدبلوماسية تؤكد عزوفها عن الإنخراط المباشر في الأبعاد الأمنية في الوقت الذي تطل على هذه الدول مخاطر حقيقية من مصادر تقبع على الأبواب.

ومن هذا المنظور ترد بعض الاتهامات لإدارة الرئيس أوباما بأنه على خلاف الذين سبقوه في البيت الأبيض لا يعير مبدأ آيزنهاور أهمية في سياسة الولايات المتحدة الخارجية.

برهنت إدارة أوباما على مدى السنوات المنصرمة بأنها ليست راغبة في إشراك قواتها العسكرية إلا في حالات الضرورة القصوى وبطرائق مدروسة ترتبط بمصالح الولايات المتحدة وأمنها القومي بالدرجة الأولى، إلا أنها تلتزم بأمن دول المنطقة بمدخل جديد وهو أنها تشجع هذه الدول على حماية نفسها وتدعم ذلك وقد تقدم بعض الإسناد المخابراتي واللوجستي. وهي من هذا المنظور لا تمانع في قيام هذه الدول بعمليات عسكرية استباقية لاجتثاث مكامن الخطر الذي يهدد أمنها وهو ما حصل في مساندتها لعملية عاصفة الحزم في اليمن.

Email