أستاذ هيكل.. سلامتك

ت + ت - الحجم الطبيعي

كنت معه الاثنين قبل الماضي رغم أنني طلبت من السيدة جيهان عطية - سكرتيرته ومديرة مكتبه والأمينة على أسراره - تأجيل الموعد. فعادوت الاتصال بي لتقول إن الأستاذ على سفر قد يطول، فذهبت كان موعدي هو العاشرة صباحاً.

وكان الضيف الذي سيأتي بعدي من الحادية عشرة هو طلال أبو غزالة. رجل أعمال فلسطيني من الذين يحملون الهم الفلسطيني في حبة القلب. ولأنه كان آتياً من القرية الذكية في آخر الدنيا. أرسل طلال أبو غزالة أكثر من رسالة وهو في الطريق يعتذر عن التأخير. وعندما دخل المكتب متأخراً أكثر من نصف ساعة رأيت طريقة اعتذاره التي تؤكد مكان ومكانة الأستاذ في قلبه وقلوبنا جميعاً.

جلست مع الأستاذ ساعة ونصف الساعة. المجالس أمانات. هكذا تعلمت في قريتي، لكن ما قاله لي الأستاذ أنه مسافر غداً إلى الغردقة لمدة أيام، ثم سيعود بعدها للقاهرة ليوم واحد وينطلق في رحلته السنوية إلى أوروبا، ويعود في أواخر يوليو أو أوائل أغسطس.

وضع جدولاً بدقة وعناية، وفي برنامجه لقاءات، ومكتبات يريد أن يزورها ليقتني منها كتباً جديدة.

ولأن الأستاذ تجربة فريدة في شؤون الحياة، فقد رأيته يشرف بنفسه على تفاصيل الرحلة إلى الغردقة. الذين سافروا قبله بيومين لإعداد المكان، والذين استقلوا السيارات لينتظروه في مطار الغردقة، وكل ما يحتاجه هو وزوجته هدايت تيمور خلال وجودهما هناك.

سافر الأستاذ الثلاثاء إلى الغردقة. وفي اليوم التالي علمت بالصدفة أنه انزلق أثناء مشيه في الغردقة. وأنه ربما أصيب بكسر في الفخذ، وليس الحوض كما روَّج الذين ودّعوا القيم والأديان.

من حسن حظ هيكل وجود د.علي هيكل في حياته. إنه نجله البكر، لكنه يتعهد الوالد صحّياً في كل شيء. وقد سافر علي هيكل إلى الغردقة فوراً. وهناك حاولوا عمل أشعة لموضع الكسر، فاكتشفوا أن الأمور خارج القاهرة مهما كانت المدينة التي تجرى فيها، مختلفة تماماً عن القاهرة.

فالقاهرة مدينة تلخص وطناً بأكمله. وكان الناس في قريتي عندما يسافرون إليها يقولون إنهم مسافرون لمصر. عاد هيكل إلى القاهرة مساء الأربعاء ومكث في مستشفى صغير بمصر الجديدة ليكون في أقرب مكان لمطار القاهرة، لأن د.علي كان اتخذ قراراً بسفر الوالد إلى خارج البلاد للعلاج. تصورت أن السفر سيكون إلى ألمانيا، حيث تقول معلوماتي إن علاجات العظام مكانها الطبيعي ألمانيا، لكن القرار كان السفر إلى لندن.

الخميس الماضي كان الأستاذ في لندن. وقد تعجبت من الأقدار، فالرجل كان مسافراً في كل الأحوال بعلاج أو بدونه بعد أيام من سفره الاضطراري بعد الحادث الذي تعرض له.

في لندن أغلق الأستاذ هاتفه المحمول. لم يعد يرد، وكنت قد اتصلت به أثناء وجوده في الغردقة بمجرد أن علمت بما جرى له، ورد علي بشكل محدد وسريع، كلماتٌ كالطلقات. قال لي بصوت واهن: يوسف أنا كويس، ثم أغلق الخط. وفي لندن أصبحت متابعة أخباره مشكلة. ولم يعد لدي سوى السيدة جيهان عطية التي تبخل بالكلام الذي يرضي الخيال ويشبع الفضول. أما د.أحمد هيكل، الموجود في لندن حالياً. فيبدو في اتصاله مطمئناً هادئاً. يتمنى ونتمنى معه جميعاً نجاح الجراحة التي تمت له في لندن. وأتصور أن التفاؤل مطلوب في الحالة التي نحن بصددها.

لا أتعامل مع الواقع الافتراضي ولا مع النت. لكن صديقنا خالد عبد الهادي، المثقف الفلسطيني الذي يعيش في الأردن متابع لدرجة الإدمان للإنترنت. وكان على اتصال يومي بي ليطمئن على أخبار الأستاذ. وأعرف منه ما يجري في هذا الفضاء المجهول بالنسبة لنا.

لا أستطيع وصف ذهولي عندما راح خالد عبد الهادي يستعرض ما كتبته ميليشيات المتطرفين ـ لا أحب أن أسميهم حتى لا ألوث قلمي ـ من شماتة في مرض الأستاذ. ومن سعادة بالحادث. ومن تمنى أمنيات ليست سعيدة بالنسبة له. وعلى الرغم من أنهم صدَّعوا الدنيا والآخرة باعتبارهم مسلمين. فلا أعتقد أبداً أن الإسلام يقر الشماتة في المريض. بل إن الإسلام يدعو أساساً للتعاطف مع المريض والدعاء له. وتقديم المساعدة إن كان ممكناً تقديمها. لكنهم هكذا يصرون على أن يخسروا كل شيء. حتى التعامل مع مريض.

أما عن ردود الأفعال على حادث الأستاذ ومرضه. فهي تطول.

Email