نحن عصاك اللي ما تعصاك

ت + ت - الحجم الطبيعي

قالها بعفوية، ذلك العسكري الإماراتي الشاب، لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، أثناء زيارة سموه للمشاركين من القوات الجوية الإماراتية في عملية «إعادة الأمل» بالمملكة العربية السعودية، عندما أقسم سموه أمام صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز والحضور بعد التقاط الصور التذكارية، أنهم يحسدونهم لوجودهم في هذا المكان، ودعا الله أن يحفظهم ويوفقهم، قبل أن يأتي رد سموه على العسكري الإماراتي الشاب سريعا وعفويا أيضا، فيقول له: «كفو يا ولدي، الله يحفظكم، تردون بخبر طيب إن شاء الله».

هذه العفوية المتبادلة بين قائد بقامة ومكانة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وعسكري شاب يقدم روحه فداء للوطن، وينفذ أوامر قادته بحب وتفان منقطع النظير، ليست إلا تجسيدا للتلاحم القوي بين قيادة دولة الإمارات العربية المتحدة وشعبها الذي يكن لها الحب والاحترام والتقدير، ويشعر أنها قريبة منه، تحرص على متابعة أبنائها في كل مكان.

وهو ما تجلى في الزيارة التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الأسبوع الماضي إلى قاعدة الملك فهد الجوية بمدينة الطائف، والتقى خلالها قوة الإمارات من ضباط وضباط صف، وأفراد السرب الخامس المشاركين في التحالف العربي وعملية «إعادة الأمل» التي تقودها المملكة العربية السعودية بنجاح واقتدار.

وقد عكس تشكيل الوفد المرافق لسموه مدى اهتمام القيادة بأبنائها، حيث ضم إلى جانب سموه كلاً من سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي، ومعالي محمد أحمد المر رئيس المجلس الوطني الاتحادي، وعدد من الشيوخ، الأمر الذي أعطى الزيارة زخما يناسب أهميتها، وأشعر أبناءنا أفراد القوات المسلحة بمدى حرص القيادة على تتبع أحوالهم، والاطمئنان على سلامتهم.

ليس من باب الصدفة أن تأتي هذه الزيارة قبل أيام من حلول الذكرى التاسعة والثلاثين لتوحيد القوات المسلحة التي تصادف بعد غد الأربعاء.

وهي مناسبة تعيد إلى الأذهان التطور الذي حدث في مسيرة هذه القوات التي بدأت من قوة «كشافة ساحل عمان» قبل قيام الاتحاد، حتى غدت اليوم واحدة من أقوى قوات المنطقة وأحدثها تسليحا وأكثرها تدريبا، حيث لم تعد مهمتها حماية الوطن فقط، والمحافظة عليه من المخاطر المحدقة به، وسط هذا المحيط الذي يموج بالأحداث والأخطار والمؤامرات والأطماع، بل تجاوزتها إلى المشاركة في حفظ السلام والأمن في العديد من دول العالم، منها على سبيل المثال لا الحصر؛ مشاركتها في قوات الردع العربية في لبنان أثناء الحرب الأهلية 1976 ـ 1979، وفي حرب تحرير الكويت 1990 ـ 1991، وفي عملية إعادة الأمل في الصومال 1993 ـ 1994، وفي عملية الأيادي البيضاء في كوسوفا 1999، وفي عمليات الإغاثة الإنسانية لكثير من الدول أثناء الكوارث الطبيعية والأزمات.

هذا الاهتمام بتطوير القوات المسلحة رافقه اهتمام بالتصنيع الحربي للحد من التبعية للأجنبي، والمساهمة في التصنيع العربي. ويشكل معرض الدفاع الدولي «آيدكس» واحدا من أهم وأكبر المعارض العسكرية في العالم، حيث تعرض كبريات شركات الأسلحة والمعدات العسكرية منتوجاتها فيه، وتُبرَم خلاله أكبر الصفقات العسكرية وأهمها. وقد أتى قانون الخدمة الوطنية والاحتياطية الذي بدأ تطبيقه العام الماضي تتويجا لهذا الاهتمام بقواتنا المسلحة، حيث من المتوقع أن يرفدها بالمزيد من الكوادر المواطنة الشابة، ويكرس انتماء المواطنين واعتزازهم بوطنهم، ويؤهلهم ليس للخدمة العسكرية فقط، وإنما للحياة بشكل عام، فالجيش هو مصنع الرجال، وهو المدرسة التي تخرج منها قادة كبار، حكموا بلدانهم بقوة واقتدار.

هذا الاهتمام بالقوات المسلحة لا يعني أن دولة الإمارات تسعى للتوسع على حساب أحد، أو تفكر في الاعتداء على أحد، لكنه يعني أنها دولة تقرأ جيدا المحيط الذي تعيش فيه، وتعرف جيدا أن الحق إذا لم يقترن بالقوة يصبح مستباحا ومهددا ومعرضا للضياع، وتدرك جيدا الأطماع الإقليمية والدولية، والأحلام التوسعية التي تراود بعض الدول، لذلك تبقى مستعدة دائما ويقظة، وجاهزة لأي طارئ من الأحداث، بل استباقه قبل أن يحدث. وهذا ما فعلته دولة الإمارات بالتعاون مع شقيقاتها من الدول أعضاء تحالف «عاصفة الحزم» التي انتقلت إلى عملية «إعادة الأمل» في اليمن، الذي تحول إلى ساحة للصراعات والأطماع الإقليمية، على حساب أمنه واستقراره، ووحدة أرضه وشعبه.

«نحن عصاك اللي ما تعصاك» ليست مجرد عبارة خرجت بشكل عفوي من عسكري إماراتي شاب، في لحظة انفعال عاطفي خلال زيارة قائد لأبنائه، وإنما هي تعبير عن الانتماء الذي يشعر به كل مواطن إماراتي لوطنه، والولاء الذي يدين به كل مواطن إماراتي لقيادته، ليس فرضاً ولا خوفاً، وإنما حباً وأمناً واطمئناناً، بدليل هذا التفاعل الواسع من قبل المواطنين الإماراتيين مع هذا الموقف على مواقع التواصل الاجتماعي، وتباريهم في التعبير عن مشاعرهم تجاه قيادتهم وقواتهم المسلحة، التي تحتفل بعد غد بالذكرى التاسعة والثلاثين لتوحيدها و«البيت متوحد» ضد كل من يستهدف أمن الوطن واستقراره، وسلامة أرضه ومياهه وأجوائه التي تحرسها وتذود عنها قوات مسلحة، حديثة التسليح فائقة التدريب، تتفانى في خدمة وطنها وتدين بالولاء لقادتها. وهذا أقصى ما يتمناه أي وطن، وغاية ما تتمناه أي قيادة مخلصة مؤمنة بأبنائها، مثل قيادة دولة الإمارات العربية المتحدة التي تضرب كل يوم المثل تلو المثل على حبها لهذه الأرض وشعبها.

Email