خُرافات الخلافات

ت + ت - الحجم الطبيعي

أضعف ما يكون البشر عندما تغلق أمامهم أبواب الأمل، وأقرب ما يكونون للانفجار عندما لا يرون لهم مقعداً كالبقية في المستقبل، وهي لحظات لا يفوتها أبالسة البشر لتمرير أجنداتهم، فهي هدايا من السماء تغنيهم عن سنين من التسلل والتدليس والتشكيك..

فالكيان القائم لا يمكن إعادة تشكيله، ما لم يتم تفكيكه قطعة قطعة، وخير من يستطيع تفكيك الكيانات هي الجماهير الساخطة، عندما تضع عقلها في بيات شتوي، وتركب عربة العاطفة الهوجاء لتدمر ما أمامها من دون وعي.

خلال السنتين الماضيتين أصبنا بالتخمة من كثرة الرايات، التي تحاول استغلال الأوضاع الاقتصادية والسياسية المزرية في عدد من بلاد العرب، لتخرج لنا بحلولها الساذجة، فهنا خلافة القاعدة، التي ألبت علينا العالم وأصبحنا موضع الاتهام لكل «كحة» تخرج، وقبلها دندنت ثورة ..

ومازالت بالانتصار للإسلام، ومجابهة قوى الاستكبار العالمي والشيطان الأكبر «أميركا» قبل أن نصحو على ضحكات ساستهم مع قوى الاستكبار على طاولة المفاوضات النووية..

وهناك اختصر مرشد المقطم الشعب المختار في حزبه الخاص، وبتمرير أجندته في قيام دولة للإخوان لا تبالي بأنات البقية وحاجاتهم، ثم تخرج من قمقم علاء الدين عفاريت داعش على حين غِرة لتقتل كل من يمر أمامها من الأبرياء والعزل والأطفال والنساء ملبسين على السذج بحمل راية تحاكي راية نبي الرحمة، صلى الله عليه وسلم..

وتكاد تصاب بالجنون وأنت تقرأ تغريدة لأحد هؤلاء الخوارج، وهو يكتب «ربح البيع أبا فلان»، وأبو فلان هذا كان للتو قد فجر نفسه في سوق يؤمه البسطاء الأبرياء من العوام..

وقد قالها محمد صلى الله عليه و سلم من قبل لصهيب: «ربح البيع أبا يحيى»، ولكن عندما دفع أمواله لمشركي قريش لكي يخلوا سبيله ويهاجر، فكيف قاسها هؤلاء الخوارج على قتل المسلمين!

هؤلاء يدركون تلك الحقيقة، التي ذكرها نعوم تشومسكي: «الأكثرية تتعود على استهلاك الخيال فأوهام الثروة تباع للفقراء، وأوهام الحرية للمضطهدين، وأحلام النصر للمهزومين، وأحلام القوة للضعفاء»، فدغدغوا تلك الأوتار في نفوس الجماهير المطحونة في عدد من الدول العربية، ولو ثاب أولئك البشر إلى شيء من رشدهم لفطنوا إلى تلك اللعبة الكبيرة، التي انزلقوا لها من دون وعي..

 فمن قال إن مجرد رفع شعارات فضاضة وكلمات براقة كـ«الخلافة» و«قمع دابر الكفر والشرك» هي ما يحتاج إليه العرب؟ وأي خيرٍ يُرتجى من أناس أرونا «نجوم الظهر»، وهم لم يصلوا ولا لكرسي حلاق لا كرسي حكم؟ وأين غُيَّبَتْ أولويات البشر، وكيف تم ذلك أصلاً؟

إن ما نحتاج إليه هو تنمية حقيقية وبعقول واعية وقلوب بيضاء لا تحمل معها إرثاً من الحقد الدفين واجتراراً لسنين من الكبت والثارات البالية، فالفقر يعصف عصفاً ببلاد العرب، فنسبة السكان الذين يحصلون على أقل من دولارين يومياً تبلغ في المغرب 14% من إجمالي السكان ..

وفي الجزائر 22%، وترتفع في مصر واليمن لتبلغ قرابة 45%، وتشير التقديرات إلى أن المعرضين لفقر الدخل يمثلون نسبة 36.4% من إجمالي سكان الوطن العربي..

بينما يلوح في الأفق فقر جديد، حيث تقع 19 دولة عربية تحت خط الفقر المائي، ولا تجد كفاية سكانها من المياه الصالحة للشرب، وقد تشمل كل الدول العربية عام 2025 وفقاً للمعدل الذي حددته الأمم المتحدة، والبالغ ألف متر مكعب للفرد! ننقب أكثر فنرى العراق يتذيل دول العالم في مؤشر الفساد، الذي نشرته منظمة الشفافية العالمية..

وتستغرب وأنت ترى ثراء البعض الفاحش فيه، لتمر بك مقولة كونفوشيوس الصيني «الفقر خطيئة عندما يكون الحكم سليماً، والثروة خطيئة عندما يكون الحكم فاسداً»، بالطبع يرافق العراق شقيقتيان عربيتان هما السودان والصومال. القنبلة الموقوتة الكبرى هي البطالة، إذ تشير إحدى الدراسات إلى أن هناك عاطلاً بين كل أربعة شباب عرب وهو أعلى معدل بطالة بين الشباب عالمياً..

بينما أكد تقرير صدر حديثاً عن منظمة العمل الدولية للعام 2014، أن الارتفاع في معدلات البطالة حول العالم يعود إلى الزيادة الملحوظة في معدلات البطالة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تعتبر ثاني أعلى نسبة بطالة في العالم، مقدراً هذه النسبة بـ11.5 في المئة في العام 2013، في حين أنها تبلغ 6 في المئة حول العالم في العام نفسه..

وعندما يشير تقرير التنمية البشرية لعام 2014 إلى أن الدول العربية تملك ثاني أكبر نسبة أطفال في العالم (12% من السكان)، وثاني أعلى نسبة شباب (19.6%)، فإن الوضع مستقبلاً سيكون مروعاً والانفجار سيكون حتمياً ما لم يسارع العرب إلى إيجاد حلول وبناء شراكات اقتصادية بينية قادرة على توفير فرص عمل كافية لأبنائهم..

وهو الأمر الذي تملك داعش له بديلاً جاهزاً: «البس حزاماً ناسفاً واذهب لسوق مكتظ أو مسجد مليء بالمصلين، ثم فجر نفسك وفجرهم معك وهكذا تخلصنا من نسبة من البطالة ووفرنا بعض الوظائف!».وحدها الإمارات وشقيقاتها الخليجيات: السعودية وقطر والبحرين والكويت من صنفهم التقرير، ضمن فئة التنمية البشرية المرتفعة جداً، ما يدل على سلامة النهج وكفاءة خطط التنمية البشرية والاقتصادية بها...

بينما يصدمنا تقرير التنمية وهو يتحدث عن نسبة السكان الحاصلين على «جزء» من التعليم «الثانوي»: لبنان 54%، تونس 39%، الجزائر 24%، مصر 51%، سوريا 34%، العراق 32%، المغرب 28%، اليمن 16%، موريتانيا 14%، فعن أي أغلبية من السكان نتحدث هنا؟ وأي مشاركات سياسية يُطالب بها البعض؟

Email