كوارث العالم الإسلامي

ت + ت - الحجم الطبيعي

في لهجة باكية مؤثرة قال المؤرخ العربي ابن الأثير في معرض روايته عن هجمات المغول على العالم الإسلامي في القرن الثالث عشر «إنها أعظم كارثة حلت بالإنسانية». فاجتياحهم البلدان الإسلامية وحرقهم حواضر الحضارة الإنسانية كبغداد وغيرها من العواصم وقتلهم المدنيين وسلبهم المدن والقرى هي حقيقة اعتبرها مؤرخو ذلك العصر جرائم يندى لها جبين الإنسانية.

لم يجانب ابن كثير الصواب حينما وصف تلك الهجمات بالوحشية والبربرية التي تنتهك كل الحرمات الآدمية، فما فعله المغول ضد البشر والحجر وضد الحضارة كانت وصمة عار في جبين البشرية. لم يسقط المغول الخلافة الإسلامية فقط، بل أسقطوا الكثير من القيم الإنسانية والحضارية بحرقهم الكنوز الأدبية والثقافية وتدميرهم الصروح والابنية التاريخية. فقد كانوا مصممين على إبادة كل عناصر الحضارة الإسلامية وإعادة عقارب الزمان إلى الوراء.

ابن كثير أرجع الاجتياح المغولي، شأنه شأن الكثير من الحروب والغزوات القديمة، إلى عوامل اقتصادية هذا بالإضافة بالطبع إلى وجود شخصية قيادية قوية هي شخصية جنكيز خان المتعطش للدماء والمفتقد الثقافة الحضارية في كيفية التعامل مع من حوله عدا بالطبع ثقافة السيف.

وكما يورد ابن الأثير فإن الصراع على الموارد الاقتصادية هي التي قادت المغول إلى اجتياح المشرق المتمدن في وحشية مدمرة متعطشة للتخريب والنهب والاستيلاء على كل ما تطاله أيديهم. تلك كانت ثقافة المغول التي خرجوا بها من هضاب آسيا في اجتياح لا يزال في ذاكرة البشرية. وكان العالم الإسلامي ضحية تلك الثقافة.

لم يضاه ذلك الاجتياح وثقافة العنف والتخريب والكراهية إلا الثقافة التي أتت بها في عصرنا الحالي بعض التنظيمات الإرهابية التي تدعي الإسلام وبعض المليشيات المسلحة التي تعيث فسادا في عالمنا العربي والإسلامي. فالبعض ينظر إلى ما يحدث حاليا على أنه إعادة إنتاج ثقافة العنف والكراهية التي أتى بها المغول، تلك الثقافة التي قادت إلى التدافع والحروب وتدمير الحضارة.

ولكن إذا كانت الدوافع الاقتصادية هي التي دفعت المغول إلى بلادنا فما هي الدوافع التي تدفع تلك التنظيمات الإرهابية إلى القتل والتدمير؟ هل هي ثقافة الاستعلاء على الآخر أم هي ثقافة الضعف والنقص وفقدان الحجة الدينية؟ وهل حقا استطاعوا إقناع الآخر بأن ما يقومون به يقوم على أسس دينية وفي سبيل الدفاع عن الإسلام؟ وما هي الأسانيد التي يعتمدون عليها؟

لو نظرنا إلى الدين الإسلامي لوجدناه مثالياً في نصوصه وفي قيمه والتي أمرنا الإسلام بإعلائها ألا وهي قيم التسامح والاعتدال والتعايش السلمي. ففي قوله تعالى «إن الله لا يحب المعتدين»، وأن الله يأمر بالقتال فقط لرد العدوان وليس للاعتداء على حرمات الناس وحرياتهم...

فلا إكراه في الدين ولا إجبار على اعتناق أفكار دون أخرى. فكما قال الله في محكم كتابه «لكم دينكم ولي دين». فإذا لم تكن غايات تلك التنظيمات والمليشيات غاية اقتصادية فما هي الغاية التي تبررها وسائلهم؟ مر العالم الإسلامي بفترات قوة وبفترات ضعف، ولم يكن العالم الإسلامي دوماً ضحية.

فقد تهيأ للقوى السياسية المسيطرة على مقدرات العالم الإسلامي أن تتعامل بقسوة في بعض الاحيان ليس فقط مع جيرانها بل ومع جزء من نسيجها الاجتماعي. وعلى الرغم من أنها كانت مدركة أنها مسيرة طبقا لتعاليم الدين الإسلامي ومبادئه إلا أن ذلك لم يعن التزام تلك القوى على الدوام بتطبيق مبادئ الإسلام السمحة وضرورات التعايش السلمي ..

وحسن الجوار. فالسياسة لها أحكام وتضارب المصالح قد يؤدي في الكثير من الأحيان إلى إقصاء مبادئ الإسلام لمصلحة مبادئ ضيقة . فمثلاً الدولة العثمانية التي سيطرت على العالم الإسلامي من القرن الثالث عشر حتى القرن العشرين لم تكن دوماً تسير طبقاً لتعاليم الإسلام والتعايش السلمي. فقد اتهمت بارتكاب مجازر ومذابح ضد الأرمن والذين يعتبرون جزءاً مهماً من نسيجها الاجتماعي.

Email