بعد «العاصفة».. قبل انتصار «الأمل»

ت + ت - الحجم الطبيعي

أن يتوقف نزيف الدم العربي في اليمن الشقيق (وفي أي قطر عربي آخر) هو هدف يستحق النضال من أجله، ويستحق إعطاء كل الفرص الممكنة للأطراف كافة، حتى تلك التي تعرف أن هزيمتها أمر لا شك فيه لأنها تقف ضد كل شيء نبيل، وتحتاج إلى جهد كبير لكي تتعلم صحيح الدين ومعنى الوطن!

منذ البداية كان هذا هو الهدف الأساسي من الجهد العربي لإنقاذ اليمن وإذا تحقق ذلك وجلس أبناء الوطن الواحد ليضعوا الحل لخلافاتهم، فإن ذلك هو النجاح الحقيقي الذي انطلقت من أجله «عاصفة الحزم»، فلم يكن التحالف العربي ذاهباً لليمن الشقيق من أجل احتلال أرض، أو فرض نفوذ، وإنما ذهب لإنقاذ اليمن من هوس مجنون بالسلطة من جانب المعزول صالح، ومن جماعات آخذة التطرف إلى حيث لا ينبغي أن تكون.

فتحولت إلى أداة في يد قوى أجنبية تريد أن تغرق اليمن في حرب طائفية لا تنتهي، يعرف هؤلاء الآن (وبعد عاصفة الحزم) أن عليهم أن يستفيقوا من أوهامهم ونعرف نحن العرب أن أحداً لن يدافع عنا إذا ارتضينا الغياب، من أننا القادرون وحدنا على إنقاذ أنفسنا من إرهاب يضرب المنطقة، ومن أطماع خارجية تتصرف على اعتبار أن العالم العربي أرض فضاء بلا صاحب، وأنها هي المهيأة لملء هذا الفراغ في غيبة العرب!

وهكذا كان الرد في التحرك القومي العربي بقيادة جمال عبد الناصر ضد سياسة فرص الأحلاف الأجنبية واستخدام أميركا لحلفائها في المنطقة (في مقدمتهم إيران وتركيا وإسرائيل) لصد النهوض القومي العربي الذي جمع الملايين من المحيط إلى الخليج، والذي شهدت فيها العواصم العربية الجماهير وهي تهتف أيزنهاور لم ناسك.. فتش على الفراغ براسك، والقصة تطول بعد ذلك، ولكنها في جوهرها هي هذا الصراع بين قومية عربية تريد أن تتحقق، وبين تآمر خارجي يسعى لإجهاض هذا التطلع، وقوى إقليمية كان يمكن لبعضها أن تكون شريكاً للعرب في بناء المستقبل، لكنها جريت وراء أوهام إمبراطوريات بائدة، أو عثمانية استغلت الدين لتحتل وتنهب وتقيم المجازر التي ما زالت في ذاكرة العرب والعالم!

إحدى النتائج المهمة لـ«عاصفة الحزم» أنها أثبتت (للعرب قبل غيرهم أن قوتهم وحدها هي القادرة على حماية بلادهم، وقالت للطامعين في مد نفوذهم على حساب العرب إن البناء على نظرية الفراغ خاطئ، وأن الشعوب العربية قد أصبحت أكثر إدراكا لحجم التآمر عليها، ولمخاطر الوقوع في مستنقع الفتنة وحروب الطوائف الذي يراد لليمن أن تقع فيها كمقدمة لإغراق الخليج كله في هذا المستنقع.

يعرف العرب الآن (وبعد عاصفة الحزم) أنه لولا تحركهم بعد شلل طال، لكان ما خطط له الأعداء قد وقع، ويعرفون أنه لو كان ذلك قد تم دون مواجهة عربية لكان العالم قد لاذ بالصمت كما حدث مع أقطار عربية تم تدميرها أو تحولت إلى ساحات للحروب الأهلية والطائفية، أو ملاذات لجماعات الإرهاب التي تعصف بالعراق وسوريا وليبيا، وتهدد كل العالم العربي.

ويعرف العرب الآن (وبعد عاصفة الحزم) من هو الصديق؟ ومن هو العدو؟ ومن هو الراغب في اللعب على كل الحبال؟ ويعرف العرب أيضاً الآن أن أمامهم تجربة لا بد من الاستفادة منها ونحن نسعى لبناء القوة العربية المشتركة، لكي نبني على الواقع الحقيقي، وهو الأمر الذي تأكد في تحالف «عاصفة الحزم»، حيث تمت المهمة بتجمع محدود وحاسم ومتوافق، فأنهاها في أقصر وقت وبأقل خسائر، وكان الإنجاز تحت مظلة الجامعة العربية والشريحة الدولية.

ويبقي أمران مهمان لا بد أن يكونا أساس التحرك العربي بعد إعلان انتهاء عملية «عاصفة الحزم».

** الأمر الأول، أن المعركة في اليمن لم تنته حتى وإن توقفت جماعة الحوثيين وصالح عن المحاولة الفاشلة للسيطرة على اليمن، المعركة تتواصل من أجل الحل الشامل الذي يضمن استقرار اليمن.

** والأمر الثاني: أن يكون القرار حاسماً والرسالة واضحة فإن اليمن قضية أهلها وحدهم وبالدعم العربي وحده، وأن إيران ليست طرفاً في الحل، وأن الشيعة في اليمن هم ــ مثل السنة بالضبط ــ مواطنون عرب، وأن العروبة وحدها القادرة على لم الشمل ورأب الصدع بين الأشقاء في الوطن الواحد الذي يمتد من المحيط إلى الخليج الذي كان وسيظل عربياً.

ومهما كانت النتائج، فإن الأساس الذي ينبغي أن نبني عليه ــ بعد عاصفة الحزم ــ أن العرب قد عادوا بعد زمن طويل من الغياب!

 

Email