القوة العمياء

ت + ت - الحجم الطبيعي

يتسع مفهوم القوة المجتمعية لأشكال متعددة من القوة بدءاً من القوة الاقتصادية والمادية مروراً بالقوة العسكرية والاستراتيجية وانتهاءً بالقوة المعرفية العلمية والقوة الأخلاقية.

إن قوة المجتمع هذه وإذا ما توافرت إلى جانب الشعور بالكرامة الإنسانية، وحب الحياة والانتماء للمجتمع فإن القوة هنا تعني انتصار الإنسان في تحويل القوة إلى شرط إيجابي لخلق الاستقرار الطبيعي والتعايش في غياب العنف والنفي. إن شئتَ قل : إن المجتمع القادر على إنتاج القوة بهذا المعنى هو المجتمع القوي الذي لا تستطيع أية قوى داخلية أو خارجية أن تزعزع كيانه وبنيته.

وذلك لسبب بسيط ألا وهو تحقق العقلانية في القوة المجتمعية، دون أية نزوعات سيطرة لقوة سلطوية مغتربة عن الكل المجتمعي. فسلطة الحكم هي قوة مجتمعية بالضرورة إذا كانت صادرة عن العقد الوطني وتمثل الكل المجتمعي واختلافاته. والحق إني أتحدث عن الصورة المثلى لفكرة القوة المجتمعية، والمتحققة بنسبية ما في هذا المجتمع أو ذاك، أو هي غاية يجب الوصول إليها.

في مقابل هذا المعنى الإيجابي للقوة المجتمعية هناك القوة العمياء أو عماء القوة. والقوة العمياء هي جانب من قوة عسكرية سلطوية أيديولوجية تسعى عبر الإرادة المتكئة على عماء القوة إلى فرض نمط تفكيرها وتحقيق مصالحها وحمل الناس على الخضوع لها وفق منطق الغلبة مهما كانت تكاليف ذلك باهظة على الناس والحياة.

فنظام الحكم الدكتاتوري الفاسد هو مثال فذ على عماء القوة، فهو يسعى عبر العنف أن يفرض الولاء له بالقوة، وفرض الولاء بالقوة مستحيل إلا في الشكل. فهو عبر القوة العمياء يدمر المجتمع وينشر الخوف ويلغي فكرة الانتماء. هذه القوة اللا عقلانية المدمرة تقع في وهم قدرتها المطلقة على السيطرة، وتخلف وراءها حين زوالها الخراب.

وهناك قوة سياسية عسكرية ما، معززة بأيديولوجيا ضيقة، تعتقد هي الأخرى أنها قادرة على السيطرة على المجتمع كله بقوتها الغازية بالمعنى القديم للغزو. فهي تعتقد بأنها قادرة على تكسير رأس التاريخ، كما يجري الآن في اليمن بسبب القوة العمياء للحوثيين وعلي عبدالله صالح. فلقد زين عماء القوة لهم وهمَ حكم اليمن عن طريق الغزو.

أما وهم القوة الأخطر أن تسعى دولة إلى تصدير تجربتها عبر القوة العسكرية وميليشيات متحالفة معها إلى الدول الأخرى. كما هو حال بعض القوى الإقليمية. فعماء قوتها العسكرية مع عمائها الأيديولوجي يزينان لها قدرتها على تصدير تجربتها إلى بلاد لا علاقة لها أصلاً بهذه التجربة، وذات ثقافة مختلفة، وأهداف مجتمعاتها أهداف لا علاقة لها.

والحق إن إيقاظ عُمي القوة من سباتهم أمر في غاية الأهمية، إذا ما أريد للمجتمع أن يسير في طريقه العقلاني عبر تحقيق قوته العقلانية التي أشرت إليها في البداية.

وإيقاظ أصحاب القوة العمياء لا يتم إلا بمقاومتهم المادية والفكرية والأخلاقية بنفس طويل لتحقيق انتصار الحياة على الموت، أجل إن القوة العمياء قوة موظفة عند الموت، بل وتميت صاحبها في نهاية الأمر، ولهذا فالانتصار على القوة العمياء لا يعني سوى الحيلولة من أن يتحول عماء القوة إلى قوة مدمرة لمسار التاريخ. أي يجب أن يكون الانتصار على عماء القوة هدفاً لا عودة عنه بالنسبة لنا نحن العرب.

وتوفير أسباب الانتصار أمر ممكن جداً. فهو يحتاج إلى إرادة تنقل إمكانياتنا إلى واقع. وعاصفة الحزم صورة من صور نقل الإمكانية إلى واقع عبر الإرادة المشتركة.

 

Email