الحزم، أبو العزم، وأبو الأمل أيضاً!

ت + ت - الحجم الطبيعي

العبارة المنسوبة لمؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبدالعزيز رحمه الله والتي تقول: الحزم أبو العزم أبو الظفرات، مثلت الأساس الذي جاءت منه تسمية «عاصفة الحزم» لوصف العملية العسكرية التي انتهت الأسبوع الماضي بعد نجاحها في تحييد وتدمير الآلة العسكرية للمتمردين الحوثيين ومن والاهم من سياسيين وعسكريين خارجين على الشرعية في الجمهورية اليمنية الشقيقة.

والآن بعد أن نجحت العاصفة في تحقيق أهدافها الميدانية، بدأت عملية «إعادة الأمل» متزامنة مع الانفراج في الجهود السياسية الموازية على أكثر من صعيد بهدف تحويل نتائج العملية العسكرية إلى وقائع سياسية وأمنية يتفيأ بظلها المواطن اليمني لكي يستعيد البلد الشقيق عافيته ويضع مساراته السياسية والاقتصادية والتنموية على سكة الإنجاز والعمل الجاد من جديد.

ولكن لكي تنجح عملية إعادة الأمل في شقها السياسي، وبالتالي تتحول إلى واقع حياتي معيش ينعم فيه أبناء اليمن الشقيق بالأمن والأمان ويستعيدون حياتهم الجميلة وسلامهم الاجتماعي الذي أفقدهم إياه المغامرون والمتمردون والمقامرون والإرهابيون، لا بد من الإشارة إلى عدد من النقاط الضرورية والمهمة التي نعتقد أنها ضرورية لكي تنجح العملية الجديدة في إعادة الابتسامة إلى الوجه اليمني الصبوح.

فأولاً: لا بد من التذكير بأن العمليات العسكرية في اليمن لم تكن على أساس طائفي، ومهما حاول البعض جر الأمور إلى هذه الزاوية فلا يجوز أن نسمح لهم بذلك. فالواقع أن جزءاً من المشكلة كان رغبة فئة معينة بتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية وأمنية بناء على تمييز طائفي غير واقعي.

فالوضع في اليمن لا علاقة له إطلاقاً بالمذهب الزيدي الذي تعايش مع بقية أهل اليمن من أتباع المذهب الشافعي لقرون بسلام وطمأنينة، ولكنه كان نتيجة طبيعية لرغبة بعض الجهات الإقليمية بالعبث بملف التعايش من خلال تحول بعض الأفراد من أبناء المذهب الزيدي إلى مذهب آخر (قبل ما يقارب 30 عاماً) ثم محاولة واقع سياسي واجتماعي جديد على اليمن مبني على ذلك، ولكن بقوة السلاح والميليشيات! هل تدركون الآن لماذا تحذر دولنا العربية من عمليات التشييع السياسي المنظم التي تتم في الدول العربية بشكل ممنهج وتعتبرها خطراً على الأمن القومي العربي؟ من كان لديه شك، فليعد قراءة المشهد اليمني لو لم تتم عملية تحويل الحوثيين إلى المذهب الآخر وما تبع ذلك من تحويلهم المتدرج إلى «مسمار جحا» سياسي في خاصرة اليمن والسعودية والخليج والمنطقة عموماً.

وثانياً: لا بد من ملاحظة أن الطرف المهزوم في «عاصفة الحزم»، ولا نقصد الحوثيين وحدهم هنا، لن يستسلم بسهولة، خاصة لأن هزيمتهم في اليمن تعني هزيمة مشروع متكامل للمنطقة ككل. وإذا كان صراخهم ارتفع كثيراً في الآونة الأخيرة بقدر تألمهم، فعلينا أن نتوقع المزيد من الصراخ وربما «الركل» وحتى «خروج الروح» في الفترة المقبلة، مما يتطلب رفع درجات الحذر والتأهب والاستعداد إلى أقصى مما كانت عليه أثناء العمليات العسكرية لعاصفة الحزم.

وثالثاً: لا بد من النظر إلى «مشروع سلمان» الذي تقول معلومات إن خادم الحرمين الشريفين أمر به بموازنة تتجاوز 13 مليار دولار لإعادة إعمار اليمن، باعتباره خياراً استراتيجياً وليس مرحلياً، وربما تكون دولة الإمارات العربية المتحدة هنا سباقة باستضافة مؤتمر دولي لإعمار اليمن يتعامل مع الملف برمته كخيار استراتيجي لأمن المنطقة وليس فقط كخيار تجاري لشركات المقاولات. فالواقع يقول إن هنالك مشكلة تنموية في اليمن نجحت بعض الأطراف المتآمرة في استغلالها بشكل سيئ، وآن الأوان لقطع الطريق عليها.

ورابعاً: صحيح أن «عاصفة الحزم» و«إعادة الأمل» استهدفتا نزع الصاعق الحوثي من القنبلة اليمنية الموقوتة، لكن لا بد من الاعتراف في الوقت نفسه بوجود صاعق آخر يحتاج للنزع ألا وهو خطر القاعدة والتنظيمات الإرهابية، وهنا ندعو إلى دعم جهود الشرعية اليمنية في محاربة الإرهاب من خلال دعم مشروع إعادة تأهيل الجيش اليمني وقوات الأمن على أساس مهني وطني بعيد عن المحاصصة وبما يجنب اليمن المآسي والأخطاء الجسيمة التي ارتكبت في مرحلة العهد السابق وحولت أجزاء كبيرة من الجيش إلى حراسات شخصية لرجل واحد، بدلًا من أن يكونوا عيوناً ساهرة على أمن بلد وشعب.

أما خامساً، فلا بد من التذكير بأن أمن اليمن مهم لكل دول الإقليم ويكفي هنا أن نشير إلى عدد الدول التي يمكن أن تتضرر إذا أغلق مضيق باب المندب مثلًا، لذلك فإن الحرص على مصلحة اليمن يعني ببساطة ضمان مصلحة الجميع، ومن هنا فلا بد أن يكون هنالك تخطيط لمرحلة ما بعد «إعادة الأمل» بحيث يكون هناك تشاور مستمر لدعم الاستقرار في هذا البلد الشقيق وبما يضمن توفر خطة للإنذار المبكر حول الظروف الأمنية فيه.

ويبقى لليمن في قلوبنا وعقولنا مكانة عزيزة لا تتغير، وكيف لا ونحن شعب زايد الخير رحمه الله الذي حرص منذ تأسيس الاتحاد على تمتين العلاقة مع اليمن وشعبه إلى حد تبرع الدولة بكامل تكاليف إعادة إنشاء سد مأرب الحديث خدمة لمشروعات التنمية في البلد الشقيق.

حمى الله اليمن وأهله الطيبين.

Email