أميركا والاستراتيجية الصينية ضد «داعش»

ت + ت - الحجم الطبيعي

فيما تكافح الولايات المتحدة وحلفاؤها في تصور طريقة لوقف تنظيم «داعش» ومنعه من الانتشار، تبقى الصين غائبة بشكل واضح عن جهود الاحتواء الجارية.

وبالنظر إلى أنها هي المستفيد الأكبر من عقود النفط في العراق في فترة ما بعد الرئيس العراقي السابق صدام حسين، فإنه يتوجب علينا أن نتساءل عن الأسباب التي لا تدفعها للاكتراث بهذا الشأن.

وهؤلاء الذين نتحدث عنهم هم أحفاد الاستراتيجي العسكري صن تزو، حيث يتبادر إلى الأذهان عند النظر في موقف الصين من الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب، مقتطفان من كتابه الاستراتيجي العسكري «فن الحرب»: «إن اعظم انتصار هو الذي لا يتطلب معركة» و «في خضم الفوضى، توجد فرصة أيضا».

ولقد تمتعت الصين بغنائم الجهود العسكرية للغرب في العراق، على الرغم من أن الصينيين لم يكونوا يوما جزءا من تحالف الدول التي دعمت غزو العراق في عام 2003.

وهذا أيضا يتناسب مع الاستراتيجية الكلاسيكية لصن تزو: «لا يوجد مثال لأمة تستفيد من حرب طويلة». ويفترض بنا أن نسأل كيف تمكن الصينيون بالضبط من تحويل التهديد الإرهابي العالمي المستمر والمتصاعد إلى انتصارات اقتصادية، وما إذا كان هناك درس للغرب في كل هذا.

وفي صميم استراتيجية مكافحة الإرهاب توجد سياسة طويلة الأمد تقضي بعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، على الأقل ليس عسكرياً. وبدلا من ذلك، تؤكد الاستراتيجية الصينية تغليب الاستخبارات على القوة العسكرية، والحرب على الإرهاب ليس إلا حرباً استخبارية. ونحن نستمر في رؤية دلائل على ذلك.

كتب أخيرا روبرت هانيغان المدير الجديد لوكالة الاستخبارات البريطانية في صحيفة «فايننشال تايمز» إن تنظيم «داعش» المتطرف يستخدم خدمات الرسائل النصية ووسائل التواصل الاجتماعي مثل «تويتر» و«فيسبوك» و«واتساب».

وقد ناشد هانيغان مواقع وسائل التواصل الاجتماعي ومقرها الولايات المتحدة بمنح فرص أفضل للنفاذ لوكالات الاستخبارات، عاكساً بذلك اتجاهاً شهدته شركات التكنولوجيا نحو تقليص التعاون مع وكالات الاستخبارات في السنوات الأخيرة.

وإقناع من يفتقر الخبرة بتجاهل أحكام الرقابة، والاعتقاد بأن الحكومات الغربية يمكنها أن تدوس على حقوق الناس تحت ستار جهود مكافحة الإرهاب.

والصين لا تتعامل مع نوعية ردود الأفعال نفسها على أنشطة استخباراتها، على الرغم من أن كل رجل أعمال صيني أو طالب يعتبر رصيدا استخباراتيا.

ويرجع هذا في جانب منه إلى واقع أن «العدائية» الجيوسياسية للصين أكثر سرية وحذرا بكثير، واستراتيجيتها هي عكس استراتيجية الغرب تماما.

وهنا يكمن الفارق الرئيسي. عندما تقرر الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى اختراق أسواق خارجية لا توفر إلا إمكانية وصول محدودة، فإنها تزعزع استقرار تلك الأسواق عسكريا، ثم تحاول أن تعيد تشكيل استقرارها من خلال المصالح التجارية وبرامج المشاركة.

والفكرة هي أن السكان المحليين سوف يرحبون بـ «الإدارة» الجديدة لتوفيرها الوظائف والفرص لهم.

وعلى نقيض ذلك، لا تشن الصين عمليات عسكرية بالعلن، وتفضل، بدلا من ذلك، استخدام المعلومات الاستخبارية الخاصة باحتياجات بلد ما ومواطن ضعفه في سبيل تحديد الثغرات التي يمكن استخدامها تحت ستار التجارة والتنمية الاقتصادية.

وبعد ذلك، تدخل الصين لبناء الجسور والطرق والمدارس إلى جانب العمليات التجارية. وبهذه الطريقة، تصبح الصين قادرة على كسب تأييد السكان المحليين، الجميع من الجيش والحكومة إلى المواطنين دون إطلاق رصاصة واحدة.

وفي العراق، استغلت الصين حالة عدم الاستقرار التي أوجدتها عمليات الجيوش الغربية من أجل الدخول ورمي نقودها تحت غطاء التجارة.

فكيف يمكن للولايات المتحدة والغرب تكييف هذه الاستراتيجية مع القتال الجاري ضد «داعش»؟ الخطوة الأولى ينبغي أن تكون في جلب طرف آخر لتحمل العمل العسكري الثقيل، كما تفعل الولايات المتحدة مع الصين في الوقت الحالي.

وكان توفير الموارد للمجموعة غير المعروفة من «الثوار السوريين» خطأ مكلفاً لإدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، لأن تلك الموارد أدت إلى زرع بذور «داعش»، المجموعة الإرهابية الأبرز التي خرجت من صندوق «باندورا» الخاص بالمقاتلين. وهذا الخطأ تفاقم مع التقاعس الذي رافق بدء تنظيم «داعش» عهده مع الإرهاب.

 

Email