ما بعد اعترافات بو عسكور

ت + ت - الحجم الطبيعي

طالعنا خبر محاكمة المتهمين في قضية بو عسكور، وما تضمّنه من اعترافات خطيرة ومشينة، كشفت تورط جهاز أمن دولة خليجية بإدارة حسابات في مواقع التواصل الاجتماعي، ونشر معلومات وإشاعات مغرضة وحاقدة للإساءة إلى رموز الدولة وقياداتها، والإضرار بسمعة الوطن ومكانته، ومحاولة شق صف المجتمع الإماراتي، وزاد خبث هذا المخطط الإجرامي ما قام به هؤلاء من محاولة رخيصة لإيهام الرأي العام بأن أصحاب هذه الحسابات المسيئة والمعادية هم من أبناء دولة الإمارات، لإحداث القلقلة وزعزعة الصف، ليجمعوا بذلك بين الظلم والاعتداء وبين الكذب والفجور والخسّة.

حيث ساءهم ما وصلت إليه دولة الإمارات من مكانة مرموقة وإنجازات باهرة في مختلف الميادين وما أحرزته من السبق والريادة في مجالات متعددة، فإن هذه الإنجازات المتميزة لوطننا جعلت الحسد وللأسف الشديد لا يصيب البعيد فقط، وإنما يصيب بعض من هو قريب، ممن انساق وراء أحقاده السوداء فمارس الاعتداء والإساءة، وهذا الأمر وإن كان معيباً مشيناً في حق البعيد فهو أكثر عيباً وأشد شيناً وقبحاً في حق القريب، لأن المتوقع في حقه فيه أن يكون سنداً ومؤازراً لا عدواً معادياً، وصدق الشاعر حيث قال:

وظلم ذوي القربى أشدُّ مضاضةً ... على النفس من وقع الحسام المهنَّدِ

إن هذا الخبر المؤسف الذي فجعنا وفجع كل عاقل شريف يوجب علينا أن نصل إلى رؤية وطنية واضحة في مثل هذه القضية ونظيراتها والتي تمثل تهديداً لأمننا القومي وسِلمنا الأهلي في دولة الإمارات، وأن نوقن بأن هناك من يتربص بنا، ويحاول الإساءة إلينا، وتفريق صفوفنا، وتشويه سمعتنا، والإضرار بمصالحنا، وإلحاق الأذية بمجتمعنا، إشباعاً لأحقاد دفينة وغاياتٍ دنيئة، إذ هذه التصرفات المعادية لا تقتصر على من هو بعيد فقط، بل قد تصيب عدواها القريب، ممن لم يتحصَّن بالقيم الأخلاقية والإنسانية ومعرفة حق الأخوة والجوار، كما حصل من جهاز أمن هذه الدولة الشقيقة، وكما حصل من قبل في قضية التنظيم السري الذي سعى أفراده لتنفيذ أجندات دخيلة مغرضة، فنصبوا العداء للوطن، وأساؤوا إلى قيادته وأبنائه، إلى أمثلة أخرى عدة توجب علينا أن نتحلى بالحذر واليقظة والانتباه، وألا نقع فريسة الثقة الزائدة المفرطة.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى كشفت لنا هذه القضية مدى مراهنة الجهات المعادية واعتمادها على الشبكات الإعلامية الإلكترونية للإضرار بالأوطان والشعوب، والتأثير السلبي فيها، وتخصيص الميزانيات لذلك، وتجنيد الشخصيات لتنفيذ هذه المخططات الإجرامية عبر الفضاء الإلكتروني، حتى أصبحت هذه الحقيقة قناعة راسخة لكل متابع يصدقها الواقع الذي نراه ونشاهده، فهناك مواقع وحسابات وشبكات عدة تتخذ مواقع هجومية محددة الأهداف والمسارات والمخرجات والمواضيع للإساءة إلى دولة الإمارات والإضرار بأمنها واستقرارها، وذلك يوجب علينا جميعاً الجد والاجتهاد والتنسيق لأداء دورنا الدفاعي الوطني في صد هذه الاعتداءات المشينة عبر الشبكات الإلكترونية وخصوصاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وذلك بالرد على الإساءات والشبهات، وتفنيد الأكاذيب والإشاعات، حتى لا تلقى رواجاً، وهنا يأتي دور المثقفين والمفكرين والإعلاميين وأصحاب الأقلام النيِّرة من جميع الشرائح المثقفة، فلا بد أن يكون لهم دور وطني بارز عبر الشبكات الإلكترونية، لتعزيز قيمنا ووحدتنا، والإشادة برموزنا وقيادتنا، وقطع الألسنة الكاذبة بإظهار وحدتنا وتراصنا واجتماعنا، وحرصنا على مصالحنا العليا، خصوصاً في مثل هذه الأوقات التي أصبح فيها الإعلام بأنواعه، لا سيما الإعلام الإلكتروني من أكبر المؤثرات في الواقع الإنساني إيجاباً وسلباً.

ونوصي في هذا الصدد بتشكيل لجان إلكترونية من قبل جهات الاختصاص، لرصد ومتابعة الحسابات والمواقع الإلكترونية الإعلامية المعادية، ورصد أكاذيبها وشبهاتها وسمومها، وقياس مدى تأثيرها، واتخاذ الإجراءات الصحيحة في حقها، وتحريك القانون ضدها، واختيار العلاج المناسب لذلك، كما ننوه لضرورة تفعيل قانون الجرائم الإلكترونية بصورة أكثر وأكبر، فهو قانون متميز يحتوي على بنود مهمة تصون الإنسان وتحفظ كرامته وحقوقه وتوفِّر له بيئة آمنة مستقرة، فإن من يطَّلع على هذا القانون يجد أنه يصب في مصلحة الوطن ومن يعيش على ترابه، سواء على مستوى الفرد أو الأسرة أو المجتمع، لأن مواده كلّها تدور حول حماية الضرورات الخمس، وهي: الدين والنفس والعقل والعرض والمال.

وأخيراً نقول: إننا كما نؤمن بأن دول الخليج خط أحمر، وأن المحافظة على أمنها واستقرارها وسلامتها مطلب أساسي واستراتيجي لا يمكن التساهل فيه، وأن اليد التي ستمتد إليها بسوء ستقطع، فكذلك دولة الإمارات العربية المتحدة خط أحمر، والمحافظة على سلامتها مقصد وطني لا تساهل فيه على الإطلاق، واليد التي ستمتد إليها بسوء ستقطع، والمخططات التي تحاك ضدها ستُكشف وتُفضح، وإذا كان لدينا بفضل الله تعالى في دولة الإمارات جهاز أمن وطني متميّز أثبت جدارته وتفوّقه بجهوده وإنجازاته ورجاله الأفذاذ اليقظين الذين ضربوا أروع الأمثلة في كشف المخطّطات المعادية، فإن كل فرد في دولة الإمارات يتسابق إلى حماية أمنها واستقرارها ويقف مع رجال أمنها صفاً واحداً، فأنتم لا تواجهون جهازاً فريداً فقط سيقف لكم بالمرصاد ويُفشل مخططاتكم، وإنما تواجهون شعباً بأكمله.

 

Email