زينوفوبيا ضد الأفارقة في جنوب أفريقيا!

ت + ت - الحجم الطبيعي

انطلقت تظاهرة كبرى الأسبوع الماضي في مدينة ديربان بجنوب أفريقيا، ضمت آلاف المواطنين الرافضين لموجة كراهية الأجانب التي تعم جنوب أفريقيا هذه الأيام، وراح ضحيتها عدد من الأجانب المقيمين، فالموجة الجديدة من الزينوفوبيا، أي كراهية الأجانب، التي امتدت لمدن عدة في جنوب أفريقيا أثارت الذعر لدى المهاجرين والمقيمين الأجانب، ما أدى بالكثيرين منهم للاحتماء بأقسام الشرطة..

ونتج عنها إعلان كل من ملاوي وكينيا وزيمبابوى عن بدء الاستعداد لإجلاء مواطنيها من جنوب أفريقيا، حفاظاً على سلامتهم، بينما توجد دعوات قوية في نيجيريا لإجلاء مواطنيها. ونظمت تظاهرات في زيمبابوي تذكر مواطني جنوب أفريقيا بمساعدتهم في زمن الآبارتيد، أما موزمبيق، فقد أعلنت عن إعدادها لمخيمات على الحدود تحسباً لهروب لاجئين إليها.

والحقيقة أن الخبر أثار دهشتي وفضولي، وأود أن أشرك القارئ الكريم في رحلتي للبحث عن إجابات للأسئلة التي دارت في ذهني. فما أعرفه عن الزينوفوبيا أنها عادة ما تكون موجهة لكل من وما هو أجنبي بوجه عام، لكن الموجة الحالية في جنوب أفريقيا أثارت انتباهي لأن المستهدفين فيها ينتمون فقط لقارة أفريقيا والهنود..

فالبيض من الأجانب لم يستهدفوا خلال العنف الأخير. ومن هنا، كانت دهشتي، لسببين، فأسباب الزينوفوبيا كونها ظاهرة تبرز في مختلف المجتمعات شرحها الباحثون فصارت معروفة، لكن إذا هي استهدفت بعض الأجانب دون غيرهم تكون في حاجة لتحليل مستقل. أما السبب الثاني..

فهو أن جنوب أفريقيا بلد عانى طويلاً من الآبارتيد الذي كان موجهاً من الأقلية البيضاء للأغلبية السوداء. لذلك، يبدو مستغرباً أن يوجه السود عداءهم للسود. رحت أسأل نفسي لماذا يقوم السود في جنوب أفريقيا باستهداف السود وأصحاب البشرة السمراء فقط دون غيرهم من الأجانب؟

وقد بدأت البحث عن الإجابة في كتابات من جنوب أفريقيا، فهم الأكثر دراية بالطبع بالموضوع وأبعاده. وجدت طبعاً إدانات لما جرى في كثير من الكتابات، وتعبير عن الشعور بالخزى لما يجري، وهو الذي يتسق تماماً مع التظاهرة الضخمة التي شهدتها مدينة ديربان، وكانت في جوهرها بمثابة إدانة من جانب مواطني جنوب أفريقيا لذلك العدوان على الأجانب.

وجدت أيضاً كتابات تتهم الحكومة بأن إجراءاتها للحد من الهجرة، غير الشرعية، أسهمت في تلك الموجة، وكتابات أخرى تركز بالأساس على ضرورة مقاضاة ملك الزولو، لأن الموجة بدأت «فور كلمة قال فيها إن على الأجانب أن يحزموا أمتعتهم ويرحلوا».

كانت هناك كتابات أيضاً تتهم حزب المؤتمر الحاكم بأنه مسؤول عن جهل أبناء جنوب أفريقيا بتاريخ الأفارقة عموماً في مساعدة حزب نيلسون مانديلا زمن العنصرية. وجدت أيضاً كاتبة تفسر العداء بأن السود عانوا طويلاً في زمن الآبارتيد من العزلة عن الأجانب، الأمر الذي جعلهم لا يجيدون التعامل معهم، لكن هذا التفسير كان سيبدو منطقياً لو أنهم لا يجيدون التعامل مع «كل الأجانب».

أكثر من ذلك وجدت مقالاً في إحدى الصحف يتهم أبناء جنوب أفريقيا بالزينوفوبيا أصلاً، وهى مقولة لا يمكن قبولها، فلا يمكن بجرة قلم اتهام شعب بأكمله بشيء ما حتى لو كنت أنت شخصياً من أبناء ذلك الشعب، فمثل ذلك التعميم هو ما نسميه في العلوم الإنسانية بالصور النمطية. بعد فترة من البحث، ارتأيت أنني ربما أبحث في المكان الخطأ، أي في صفحات الرأي، ففي الأزمات الكبرى، تكون هناك حالة احتقان تعكس نفسها بالضرورة على الكتاب..

فالتركيز يكون على وقف الأحداث أولاً، ومن ثم تكون الإدانة هي السائدة. أضف إلى ذلك، أنه أثناء تلك الأزمات قد يظهر بين أبناء البلد نفسه من يرفض الحديث عن أسباب الظاهرة وفق زعم خاطئ، مؤداه أن الحديث عن الأسباب فيه تبرير لإجرام مرتكبي الوقائع.

لذلك رحت أطالع الصحف بحثاً عن معلومات تساعدني في فهم الظاهرة فوجدت ضالتي، فلا شعب جنوب أفريقيا كاره للأجانب بطبعه، كما زعم أحد الكتاب، ولا هم كارهون بالضرورة لأصحاب البشرة السوداء. أكثر من ذلك، فقد تبين لي أن ما يجري هو حالة لها أغلب سمات الحالات العالمية..

فإذا ما عرفت بعض المعلومات البسيطة عن جنوب أفريقيا، أعترف بأنني كنت أجهلها وصار الأمر واضحاً. وهناك معلومتان رئيستان ساعدت على فهم الموضوع، فجنوب أفريقيا تعانى من نسبة بطالة تصل إلى 24%، وهى نسبة مرتفعة للغاية، فلا بد أن هناك آثاراً اجتماعية خطرة حين تكون ربع طاقة العمل معطلة.

أما المعلومة الثانية، فهي أن أبناء الدول الأفريقية المقيمين أو المهاجرين إلى جنوب أفريقيا جاؤوا هم أيضاً من دول فقيرة، سعياً وراء حياة أفضل..

والكثيرون منهم يعملون في وظائف أجرها بسيط، ما خلق صورة نمطية لهم لدى سود جنوب أفريقيا سمحت بتحويل هؤلاء المهاجرين الأفارقة إلى «كبش الفداء»، الذي يصبون عليه غضبهم وإحباطهم من أوضاعهم المعيشية، فالمتعاطفون مع الكارهين للأجانب، الذين قاموا مؤخراً بتظاهرة خاصة بهم يعتبرون أن هؤلاء المهاجرين «مسؤولون عن بطالتهم»، لأنهم يأخذون منهم الوظائف.

Email