قمة كامب ديفيد: هل تعيد ترتيب المنطقة؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

تتجه الأنظار والمواعيد إلى قمة غير مسبوقة بين قادة دول مجلس التعاون الخليجي والرئيس الأميركي باراك أوباما في منتصف الشهر المقبل. ويبدو أن كثيرين يوقّتون ساعاتهم على هذا اللقاء الذي يعقد في ظل معطيات جديدة. حيث هناك شعور لدى دول مجلس التعاون بأن واشنطن تراهن على سياسات جديدة في المنطقة ربما تقود إلى أوضاع تهدد استقرارها وسلامها.

الخليجيون يواجهون واقعاً جديداً، فهذه إيران أصبحت تؤانس الشيطان الأكبر في الغرف الخلفية، وتراهن على أن صفقة الاتفاق النووي ستجعلها في وضع اقتصادي وسياسي أفضل للاستمرار في سياساتها التوسعية في المنطقة، وهي التي كانت حتى مع المقاطعة تتمدد في العراق وسوريا ولبنان.

بينما في اليمن كانت عاصفة الحزم الحدث الذي أوقف مسلسل التوسع. وأشعرت الإيرانيين بأن السياسة والحلم ليست ضعفا، وأن الأمر متى تطلب الحزم يكون عاصفة تضع الخطوط الحمراء وتعطي رسالة بأن الفضاء العربي ليس مشاعاً لكل قوة تريد أن تصنع لنفسها حضوراً.

ويحسب لعاصفة الحزم أنها اتخذت القرار بطريقة احترافية، وفوجئت عواصم العالم بالنجاح السياسي والتحالف العسكري لهذه الحملة، التي كسبت تأييداً عالميا واسعاً دشنه مجلس الأمن في قراره الأخير الذي تبنى القرار العربي. ولم ينتظر الخليجيون واشنطن لكي تقوم بالمهمة نيابة عنهم لأنهم شعروا بأن الرهان على الولايات المتحدة ليس موضع ثقة، خاصة أن الإدارة الأميركية الحالية اختطت توجهات مخالفة للخطوط العامة للسياسة الأميركية.

واشنطن قالت إن اللقاء سيهدف إلى تعميق التعاون الأمني وتعزيز سبل الشراكة بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون. ورغم العناوين التي يحرص البيت الأبيض على تقديمها عن القمة المرتقبة إلا أن هناك شكوكاً واضحة من الخليجيين حول موقف واشنطن من العلاقة الاستراتيجية القائمة بينها وبين دول الخليج، خاصة بعد الاتفاق النووي مع إيران وتغاضي واشنطن عن التوسع الإيراني في العراق وسوريا.

أوباما طرح في حديث صحفي عن القمة أن التهديد لدول مجلس التعاون هو داخلي، وأن هذا التهديد هو أكبر من التهديد الإيراني. وبدون شك هناك تحديات ودول الخليج تدرك التحديات الداخلية، وهناك حديث يطرح في العواصم الخليجية عن التحديث وتطوير الأنظمة وتعزيز الشفافية ومحاربة الفساد. وهذه نقاط مهمة داخلياً وتتطلب نقاشاً داخلياً وقراراً سياسياً.

لكن ما ينتظره الخليجيون من واشنطن ليس أن تقود الحديث عن التهديد الداخلي وكأن الوضع الاقليمي في المنطقة مستقر وأن دولاً مثل إيران تلتزم باحترام الشؤون الداخلية للدول العربية وتمتنع عن التدخل وبسط نفوذها ودعمها لميليشيات تهدد استقرار الدول.

الوضع الداخلي مهم وترتيب البيت من الداخل شرط للاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي. لكن هناك أوضاع جديدة في المنطقة تطرح نفسها؛ فتغيير التحالفات في المنطقة وإعطاء أدوار اقليمية لدول في المنطقة على حساب مصالح دول الخليج هو أمر يعزز من عدم الثقة بين واشنطن وأصدقائها الخليجيين وسيعطي رسالة لدول مثل إيران في أن تتوسع في ممارسة سياسات الترهيب واستعراض القوى.

والدليل على ذلك صفقتها العسكرية مع روسيا لشراء صورايخ بعيدة المدى اس 300. وكأن إيران تنتظر رفع المقاطعة الاقتصادية والودائع المالية لكي تتوسع في صفقات الاسلحة ودعمها للميليشات الذي سيقود المنطقة في نهاية المطاف الى صراعات وحروب تلتهم الأخضر واليابس.

الحديث عن استغناء الولايات المتحدة عن النفط العربي وأن توفر النفط الصخري جعل لديها خيارات أفضل. وبالتالي فإن ممارسة واشنطن سياسة جديدة تتراجع عن التزامها الاسترايتجي تجاه دول مجلس التعاون هو تفكير قاصر؛ فاستقرار دول الخليج مهم للعالم ككل. وهي التي حافظت على سياسة نفطية جنبت العالم أزمات كبيرة. ومن المهم للولايات المتحدة استقرار دول الخليج وضمان أمنها.

القمة ستعطي فرصة لتوضيح المواقف بين الجانبين ووضع استراتيجية تحدد مسار العلاقات والالتزامات المستقبلية. والخليجيون يشعرون بالمواقف المترددة لواشنطن؛ ففي سوريا كان الموقف الأميركي محبطاً .

وكانت السياسة هي التي قادت إلى تمدد الحركات الارهابية التي وجدت مساحات مفتوحة ودولة مركزية ضعيفة. كما أن الأخطاء السياسية للولايات المتحدة في العراق هي التي جعلت العراق ينضوي تحت العباءة الإيرانية، وبالتالي لدى الخليجيين الكثير مما يقولونه للرئيس الأميركي.

الخليجيون مطالبون بأن تكون لغتهم ومواقفهم متطابقة في كل القضايا الإقليمية؛ فدائماً ما يردد المسؤولون الغربيون حينما يجدون التباين في المواقف: اجتمعوا وحدووا موقفكم الموحد وبلغونا.

وستكون قمة كامب ديفيد فرصة للخليجيين لأن يقودوا زمام المبادرة ويحددوا رؤيتهم المستقبلية؛ فموقف الخليجيين بعد عاصفة الحزم أصبح أكثر مصداقية واحتراماً في عواصم العالم. ولذلك تأتي كامب ديفيد في توقيت مهم ربما تعطي الفرصة لتحدد معايير قوية، تضع الأسس الواضحة لبنية سياسية وأمنية مستقرة، تنقل المنطقة من حالة الصراعات والحروب الى مستقبل التنمية وخدمة الشعوب.

 

Email