بعد إعمار الأرض الإمارات تعمر الفضاء

ت + ت - الحجم الطبيعي

لأن همم الرجال لا تعرف حدوداً، وطموحات الكبار لا محطة وصول لها تشير إلى نهاية انطلاقتها، يأتي إطلاق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، شارة البداية لدخول العرب عصر الفضاء، بإعلان سموه بدء الإعداد لإطلاق أول مسبار عربي إسلامي لاستكشاف كوكب المريخ، وليدشن في الوقت ذاته جولة جديدة من جولات التحدي، وحبة إضافية تضاف إلى عقد الإنجازات، وليسطر صفحة جديدة من كتاب المجد والسؤدد الإماراتي، الذي بات مرجعاً لأصحاب العزم الراغبين في الالتحاق بموكب الظفر والنصر.

ولا شك في أن لهذه الانطلاقة، التي تخطت حدود الكرة الأرضية محلقة ومستكشفة كوكباً آخر، دلالات كبيرة تتطلب أن نتوقف عندها ليدرك، ليس أبناء الإمارات فحسب، بل العالم العربي والإسلامي كثيراً من الملامح منها:

أنه على الرغم من الصورة المضطربة والمرتبكة والمتداخلة والتي يخيم على من يتأملها التشاؤم لجانب كبير من الحالة العربية إلا أن هذه الانطلاقة تمثل طاقة ضوء تنير جزءاً كبيراً من الواقع العربي، بأننا كأمة عربية قادرة على المنافسة في السباق الحضاري والمعرفي العالمي، وخصوصاً أن إدارة وكالات الفضاء العالمية لم تخلُ يوماً من عالم عربي، كما أن مساهمة الباحثين العرب لم تكن عن الفضاء ببعيدة.

كما أن هذا التحدي يفتح الباب واسعاً لجيل الشباب ليعبر عن قدراته، وليثبت ذاته، ويحمل مسؤوليته في المشاركة في النهوض بوطنه وأمته، ويمده بطاقة خلاقة تجعله يزداد أملاً في واقع أقوى وغد مشرق، بعيداً عن الطاقة السلبية التي تصيبه بالعجز حين يكون الكلام بديلاً عن الفعل، وحين يكون اليأس بديلاً عن الأمل، وحين يكون الاكتفاء بالرفض دون تقديم البديل، إنها اللحظة التي يثبت شباب أمتنا العربية عن قدراتهم وأن يكرسوا طاقاتهم لما فيه خدمة لوطنهم وصالح أمتهم، ذلك أن من يسيطر على الفضاء يملك الكلمة على الأرض.

ولأن الأمر جد لا هزل، وكشأن دائماً كل ما يقدم عليه حدد سموه أن المسبار الإماراتي سيصل إلى المريخ في 2021، بما يعني ذلك أن السنوات الست المقبلة ستكون سنوات جد وعمل وعرق وعلو همة على طريق استكمال بناء جيل من أبناء الإمارات المسلحين بعلوم الفضاء، ذلك العلم الذي لم يعد ترفاً، بل بات فرض عين على أبناء الإمارات، إجادته والنبوغ فيه وليس الإلمام به فحسب.

كما أن هذه الخطوة لها ما بعدها، ذلك أنه يهيئ الفرصة لتوطين تكنولوجيا الفضاء من خلال قطاع فضائي وطني، بما لذلك من انعكاسات على البرامج الأكاديمية التي ستطرح في الكليات ذات التخصص، وعلى وعي أبناء الوطن بما تتطلبه المرحلة الراهنة سواء على مستوى التخصصات الجامعية أو الأبحاث والدراسات العليا في مجال هندسة الطيران والفضاء، فضلاً عن انعكاساته على بنية الاقتصاد الإماراتي وجوانب القوة فيه فضلاً عن تنوعه.

من هنا كان النداء موجهاً إلى الشباب أن حيَّ على الابتكار، وواجهوا التحديات فصارعوها واصرعوها، وهذا النداء جاء تتويجاً لسنوات من الإعداد والتجهيز والتدريب والاستثمار في ثروتنا البشرية.

ومن يستدعِ الأحداث يرَ نداء التميز قد صدحت به القيادة منذ ما يقرب من ثلاثة عقود، ذلك الذي كان حلماً ثم أصبح وظيفة، ومر بمراحل لن تنتهي بإعلان 2015 عام الابتكار، ليؤكد ذلك أنها لم ولن تكون انطلاقة حماسية عفوية لكنها تراتبية العمل المبنى على رؤية استراتيجية واضحة لقيادة غنية بحب شعبها ووطنها، إنها الثقة المطلقة التي أكدتها القيادة غير مرة على قدرات أبناء الإمارات وجاهزيتهم الدائمة والدفع بهم إلى الصفوف المتقدمة لحمل الراية وتحمل المسؤولية في كل المجالات، وأن يكونوا على مستوى المرحلة التاريخية التي تمر بها أمتهم، والتحديات التي تواجهها للحفاظ على المكتسبات الوطنية.

كما أنه يأتي متسقاً مع رحلة التنمية الشاملة والمتكاملة والمستدامة لدولة الإمارات التي تميزت وأبدعت وابتكرت فيها الإمارات، وأصبحت النموذج الذي يعطي الأمل لأبناء الأمة العربية، حتى باتت الوجهة المفضلة وفق الإحصاءات الرسمية، وبات شعبها الأكثر رضا وسعادة من بين شعوب العالم.

ولأن القيادة الرشيدة لم تكن يوماً بعيدة عن شعبها كان طرحها اختيار اسم المسبار والحضور الطاغي لأبناء الإمارات من خلال تفاعلهم لهو استفتاء جديد - يتعمق مع كل خطوة تخطوها الإمارات على طريق التقدم - على الاعتزاز بالقيادة التاريخية للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وتعبيراً عن إدراك أبناء الوطن لقيمة هذا العمل الكبير والحرص على المساهمة فيه كل حسب طاقته.

إن الدرس الأكبر من دخول الإمارات عصر الفضاء هو أنه عندما يدمن الآخرون الهدم يشمر أبناء الإمارات عن سواعدهم للبناء، وعندما يبرع الآخرون في شق الصف وتمزيق النسيج الوطني بدعوى الطائفية أو المذهبية أو العرقية تؤسس الإمارات للمشروع الوطني الذي يوحد الهدف بين كل أبناء الوطن.

وعندما يعلو صوت أزيز الطائرات ودوي المدافع من حولنا تجد في الإمارات يداً تعمر ويداً تحمي الوطن، وفي الوقت الذي تهون فيه أرواح الناس وأعراضهم وكرامتهم على من وجب عليه حمايتهم ورعايتها من قادتها تجد أبناء الإمارات الأكثر سعادة ورضا، وفي الوقت الذي يتقاتل فيه الناس على الأرض التي ضاقت بهم تنطلق الإمارات إلى الفضاء.

 

Email