انتهاكات عمالية

ت + ت - الحجم الطبيعي

عادة ما يجذب اهتمام الرأي العام العالمي الانتهاكات ضد العمال، أما ما يقوم به العمال من انتهاكات لقوانين البلد أو المجتمع فقد يمر سريعاً دون أن يدركه أحد، الشغب العمالي الذي حدث في رأس الخيمة أخيراً في أحد مواقع البناء وتدخل الشرطة للسيطرة على الشغب وفض الاعتصام يفتح صفحة جديدة من ملف العمالة الوافدة في دولة الإمارات ويضيف بعداً أمنياً واجتماعياً خطيراً على هذا الملف. إن تلك الحوادث تثبت لنا يوماً بعد يوم أن هذا الملف قد يخرج عن نطاق المألوف في اتفاقيات توريد العمالة ويتعداه ليشكل عبأ كبيراً على الجهات الأمنية وعلى أمننا القومي إجمالاً.

فالتجمع العمالي في رأس الخيمة هو واحد من حوادث عدة حدثت في الإمارات وتناقلتها وسائل الإعلام المحلية والأجنبية. وعلى الرغم من أن هذه الحادثة تعد حادثة بسيطة لم تخرج عن نطاق تعاطف العمال مع زميلهم المصاب، الأمر الذي أدى إلى توقف العمل وحدوث أعمال تخريبية ومطالب من قبل العمال، إلا أن الحادثة يجب أن لا تمر علينا مروراً عادياً.

فالشغب الذي قامت به تلك المجموعة من العمال وتدخل الشرطة لفض الاعتصام ومنع انتشاره لنطاق أوسع يفتح صفحة جديدة من التأثير الأمني للعمالة الأجنبية على المجتمع وتدعونا للتعمق في ملف العمالة الأجنبية، خاصة الآسيوية، ومتابعتها عن قرب. فآسيا تعد المكان المفضل لاستجلاب العمالة الرخيصة والمدربة حتى باتت بعض الدول الآسيوية مصدراً مهماً للعمالة القادمة إلى الخليج.

في الوقت نفسه فإن تلك العمالة مدركة تماماً أننا في مرحلة نمو هائل لا نستطيع الاستغناء عنهم وهم مدركون أيضاً أن أعين المنظمات الحقوقية الدولية مفتوحة علينا تنتظر أي إشارة لتوجيه النقد والرمي بالسهام واستخدام حقوق الإنسان كورقة تضرب بها هذا المجتمع أو ذاك حتى لم تنجو دولة خليجية من النقد.

منذ بداية التحولات الاقتصادية والإمارات خاصة، ودول الخليج بشكل عام، معتمدة على العمالة الأجنبية في مختلف القطاعات وخاصة قطاع الإنشاءات. فمن ينظر إلى تلك الأبراج العالية والصروح العمرانية الكبيرة لا يسعه إلا أن يذكر هذه الحقيقة التي لم تنكرها دول الخليج، ألا وهي دور العمالة الآسيوية في الإنشاء والتعمير. دول الخليج في احتياج لطاقات تلك العمالة الآسيوية وفي الوقت نفسه هؤلاء العمال في احتياج للعمل في دول الخليج، فالمصلحة إذاً متبادلة.

فمنذ بدأت تلك التحولات بدأ ملايين العمال الآسيويين في التطلع إلى دول الخليج سواء عن طريق القنوات الشرعية أو في بعض الأحيان القنوات غير الشرعية كالتسلل مثلاً أو دفع مبالغ هائلة لشركات في الوطن الأم لتقوم بنقلهم إلى دول الخليج. فتوفر فرص العمل لدينا جعل الكثير من هؤلاء العمال يتنافسون على القدوم وفي بعض الأحيان من دون أي ضمانات، الأمر الذي يعرضهم للابتزاز وحقوقهم للضياع. ومع ذلك شرعت دول الخليج جميعها القوانين التي تضمن وجود بيئة مهنية وقانونية سليمة تحمي العامل وصاحب العمل.

ومنذ البداية كانت دولة الإمارات تتعامل بصورة حكيمة مع ملف العمالة الوافدة ليس فقط لأنها قضية مجتمعية وقضية تمس الأمن القومي بل لأنها أيضاً قضية إنسانية.

فهي من ناحية مدركة تماماً بأنها لا تستطيع الاستغناء عن هذه العمالة وفي الوقت نفسه مدركة بأن ملف العمالة ملف حساس لأنه يمكن استغلاله بطريقة أو أخرى. وقد أعلنت دولة الإمارات مراراً بأن للعمال حقوقاً لا يمكن المساس بها، أهمها دفع الأجور وتوفير بيئة عمل وسكن مناسبة وتوفير الأمن الوظيفي والحماية لهم.

وقد أعلنت أيضاً أن للعمال الحق في رفع شكواهم عن طريق قنوات قانونية معينة ليس بينها الامتناع عن العمل أو التجمهر أو اللجوء للعنف والتخريب. فهذا الشكل من التعبير عن السخط يعد غير قانوني ويخضع صاحبه للمساءلة القانونية. الإمارات ودول الخليج، وهم يضعون خططهم للمستقبل يجب أن يضعوا نصب أعينهم قضية مهمة ألا وهي حجم العمالة الأجنبية المطلوبة لتنفيذ تلك الإنشاءات وتأثير تلك العمالة على المجتمع. وهنا تبرز على السطح قضية مهمة لطالما نادينا بها ألا وهي تدوير العمالة عوضاً عن استجلاب عمالة جديدة لكل مشروع.

فعوضاً عن الأضرار التي تترتب على استجلاب عمالة جديدة، فهناك الضرر الذي يلحق بالتركيبة السكانية والهوية الوطنية، وهي قضايا لطالما تحدثت عنها النخب المثقفة وتمت مناقشتها مراراً. مجتمعات الخليج مدركة بأنها في سباق مع الزمن من أجل تنمية تواكب طموحاتها العالية ومدركة أيضاً بأنها حتى وقت غير قريب لن تستطيع الاستغناء عن العمالة الأجنبية ولكنها أصبحت أكثر إدراكاً بأنها يجب أن تكون أكثر وعياً في التعامل مع ملف العمالة الأجنبية نظراً لتأثيراته الأمنية المتعددة.

Email