قمة الحزم: هل تغيّر العرب؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

كانت (قمة الحزم) واحدة من المنعطفات المهمة في التاريخ السياسي العربي. والتي يمكن لها أن تؤرخ لمرحلة جديدة في العمل السياسي العربي، وتفتح نافذة جديدة لمصداقية الدول العربية في تنفيذ قراراتها وترجمتها إلى واقع. وكان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان واضحاً حينما حدد كلمته منطلقات العمل العربي ورؤيته لخطة العمل العربية.

وإشارته الواضحة أن عملية عاصفة الحزم سوف تستمر حتى تتحقق أهدافها. ‪وتمنى‬ (أن يعود مَنْ تمرد على الشرعية لصوت العقل، والكف عن الاستقواء بالقوى الخارجية والعبث بأمن الشعب اليمني العزيز، والتوقف عن الترويج للطائفية وزرع بذور الإرهاب). وهي كلمات تضع خارطة طريق لحل الأزمة اليمنية.

وكنت في المركز الإعلامي للمؤتمر بين الإعلاميين الأجانب والعرب، الذين كانوا يتكلمون عن واقع جديد في العالم العربي فرضته القيادة السعودية لتحالف عاصفة الحزم، الذي اعطى زمام المبادرة للعرب بدلاً من الانتظار والعيش على أمل التدخل الخارجي. كانت السعودية حاسمة وحازمة في قرارها بصنع تحالف عربي ودعم سياسي دولي لدعم الشرعية في اليمن.

وكانت معظم التحليلات والتعليقات تتكلم عن الروح الجديدة التي بثتها السعودية في العمل العربي المشترك، وفي دور جامعة الدول العربية التي ينتقدها كثيرون لدورها السلبي في القضايا العربية.

ويتفق كثير من المراقبين أن الحزم الدولي في مواجهة العبث الحوثي كان مطلوباً. فالحرب رغم بشاعتها إلا أنها آخر العلاج. وهناك طلب رسمي من الحكومة الشرعية برئاسة عبد ربه منصور هادي بطلب التدخل. ولذلك كان هناك دعم دولي قوي لهذه الحملة العسكرية وهناك عشر دول مشاركة في الجهد العسكري.

وهذه رسالة واضحة أن العالم يراقب التمدد الإقليمي في المنطقة، وأن سياسة التهاون قد تعطي فرصة اكثر لهذا التمدد، ولهذا كانت العاصفة الحازمة رداً قوياً بأن السياسة الحكيمة ليست ضعفاً، بل هي محاولة لتجنب الأمور الأكثر صعوبة.

ويبدو أن القراءة في بعض العواصم الإقليمية للملف اليمني لم تكن صائبة، فالتمدد الذي حصل في العراق وسوريا ولبنان عزز من شهية التمدد الإقليمي لبعض العواصم، وكان واضحاً أن القفزة إلى جنوب الجزيرة العربية في اليمن بمثابة المجازفة غير المدروسة..

ولكنه الشعور بالغطرسة الذي يعمي البصيرة ويقود إلى نتائج وخيمة. وربما اعتقدت طهران أن مفاوضات الملف النووي مع الولايات المتحدة ستكون المظلة لتمرير هذه العمليات التوسعية بحكم أن واشنطن ترغب في عقد الصفقة معها وسوف تتجاوز عن الأحداث الإقليمية.

لكن السعودية أدركت أن القضية هي قضيتها، وأنها لن تنتظر من واشنطن أو غيرها التدخل لوضع الأمور في نصابها، فأخذت بزمام المبادرة وصنعت واحدة من أفضل التهيئات المسبقة السياسية قبل العسكرية في صنع تحالف سياسي وعسكري دولي أعاد للعرب هيبتهم وقرارهم المسلوب.

واستطاعت قرارات القمة العربية أن تعيد التفاؤل للعرب، فالاتفاق على إنشاء قوة عربية مشتركة هو ترجمة لواقع فرضته عملية عاصفة الحزم. وهي رسالة للعالم بأن العرب قرروا أن يتولوا شؤونهم بأنفسهم. كما أن القوى الإقليمية المجاورة في المنطقة ستفهم مغزى هذا القرار. وأن العرب لن يتركوا دولهم فضاء للآخرين ليصبح منطقة نفوذ لهم، وورقة مساومة في المفاوضات.

وربما كانت قمة شرم الشيخ واحدة من القمم القليلة التي استطاعت جذب اهتمام المواطن العربي بعدما شعر باليأس من بيانات القمم العربية التي تتكرر بياناتها وأصبح ضمن الأكليشهات المكررة. بينما استطاعت عاصفة الحزم أن تنقل القمة العربية من دائرة التكرار إلى صنع القرار.

ولذلك كان إنشاء قوة عربية مشتركة ووضع جدول زمني واضح، هو أسلوب جديد في طريقة عمل الجامعة العربية التي كانت تفتقد إلى آلية التنفيذ. ويغيب عنها الالتزام بالمعيار الزمني لتنفيذ القرارات.

الصوت العربي أصبح مسموعاً وأثار تعليق الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي ردود فعل كثيرة حينما رد على روسيا بأن هي التي تسلح حكومة تقتل شعبها ويقصد سوريا وهي التي ساهمت في تطويل عمر الأزمة السورية..

ولذلك هي تتحمل مسؤولية كبيرة في هذا الشأن. وحينما يتكلم المسؤولون العرب بهذه اللغة الواضحة والقوية فهذا يعني أن يريدون أن يباشروا مسؤوليات شعوبهم بأنفسهم دون تدخل خارجي. وعاصفة الحزم مثال لهذا الفكر الذي استطاعت أن تنجح في تشكيل هذا التحالف وقيادته. وفي نفس الوقت كسب الرأي العام العالمي والمواقف السياسية لدول العالم.

قرار دعم عاصفة الحزم وقرار تشكيل قوة عربية عسكرية مشتركة يمهدان الطريق لنظام إقليمي عربي جديد تقود السعودية ودول الخليج بالتحالف مع مصر في حماية الدول العربية وضمان أمن واستقرار شعوبها. ربما هي عاصفة الحزم، ولكنها قد تكون في نفس الوقت عاصفة الحسم التي تنقل العالم العربي من عالم الأقاويل إلى واقع الفعل وصنع التأثير.

 

Email