جودة التعليم العالي أمن وطن

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يعد ولا ينبغي أن تكون قضية التوسع في التعليم العالي هي الهاجس الأساس الذي يشغل المعنيين في عالمنا العربي، ولكن الأهم هو كيف نجوّد ما بين أيدينا من مؤسسات تعليمية؟ ليس على المستوى الوطني فحسب بل على مستوى العالم العربي كافة.

فلم تكن المؤسسات التعليمية يوما قاصرة على قطر دون آخر لكنها تفتح أبوابها لأبناء الوطن وغيرهم، كما أن مخرجات مؤسسات التعليم العالي لم تقتصر يوما على السوق المحلي لكنها تنافس في سوق مفتوح لتقديم الأجود والأفضل بمقاييس لا يصلح معها تواضع الإمكانات.

لذلك فإن تطوير التعليم وتجويد مخرجاته لم تعد عملية تطويرية فحسب بل خيار استراتيجي لا مناص منه، لأن غيره من الأنشطة المجتمعية، سواء في المجال الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، مرتبطة به، كما أن مخرجاته تؤثر في مستوى الأداءات الأخرى، لذا كانت جولات النهوض بالأمم تبدأ بتجويد مخرجات التعليم، حتى في الدول التي تشح فيها الموارد، وكان التعليم هو البوابة الرئيسية لمرحلة الانطلاق.

ويحضرني ما قاله الزعيم الهندي جواهر لال نهرو حين انتقده البعض لأنه يخصص موارد مالية للتعليم تفوق كافة الأنشطة الأخرى رغم فقر الهند، حين ذاك قال لهم «نعم إننا فقراء للدرجة التي تجعلنا لا نملك بديلا غير الإنفاق على التعليم والاهتمام به.»

إن التحديات التي تحد من انطلاقة التعليم في العالم العربي يمكن مواجهتها عبر رفع قضية التعليم إلى المستوى السياسي ذلك لأنها مرتبط بمستقبل وطن، لذلك كان تأكيد سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في كلمته التي ألقاها في مؤتمر القمة الحكومية الأخير، «على أن التعليم هو الثروة حين تنفد الثروة، وهو القوة الكامنة حين تتعرض مقومات الوطن لأية اختبارات لتعلن عن نفسها بعقول وسواعد أبنائها، كما أنه الاستثمار الحقيقي في بناء الإنسان الذي به تبنى الأوطان وتقوى.»

لذا فإنه من الأهمية بمكان ألا يتم التعامل مع إصلاح منظومة التعليم في عالمنا العربي بمنطق القطعة أو الجزء ولكن ينبغي النظر إلى تطوير منظومة التعليم باعتبارها عملية شاملة ومتكاملة مرتبطة بحركة المجتمع تأثيرا وتأثرا، وأن يدرك أفراد المجتمع أن تطوير التعليم له جناحان جناح رسمي وحكومي، وجناح مجتمعي يجب أن يقوم بدوره.

سواء من خلال أصحاب الفكر والتربويين والمهتمين والمعنيين وأصحاب الشأن، وأحسب أن ذلك كان المغزى من طرح صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد المسائل المتعلقة بتطوير التعليم دائما للنقاش المجتمعي، سواء بين أولياء الأمور أو الطلبة أنفسهم باعتبارهم أصحاب الشأن والهدف من التطوير، عبر وسائل التواصل الاجتماعي .

كما أن منظوم العمل الجامعي لن تأتي أكلها إلا إذا استطاعت أن تصل إلى مرحلة ما يدرس يمارس، وأن ما يقال داخل القاعات من معلومات يحل ما بخارجها من مشكلات تواجه المجتمع وتحديات تعوق عملية التنمية والتطوير.

إن المعادلة الذهبية التي يذكرنا بها دائما صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد من أن الهدف من العمل الحكومي هو إسعاد الشعب ينبغي أن يقاس عليها في كافة ما نقوم به من عمل حتى في مجال التعليم العالي والبحث العلمي، الذي ينبغي أن يكون الهدف منه تيسير حياة الناس والتغلب على ما يواجه عملية التطوير من صعوبات، هنا يدرك المجتمع الدور الوظيفي للتعليم.

وعلى الرغم من أن الاستفادة من تجارب غيرنا من الشعوب أمر محمود، قامت عليه الحضارات الإنسانية عبر تاريخها، إلا أن ذلك لا يعني النظر إليهم كنموذج يجب استنساخه كما هو، أو التقيد به دون مواءمات تطويعيه تراعي البيئة الثقافية الموجودة، فضلا عن المخرجات المتوقعة، وابتكار أساليب جديدة لحل الكثير من المعضلات دون انتظار من يأتي إلينا بها.

وهنا أجدني مدفوعا للحديث عن تجربتين تشيران إلى أن هناك من يسعى من المؤسسات الأهلية لتحمل مسؤوليتها تجاه المجتمع، أولها تجربة مؤسسة دار الحياة، التي تصدر صحيفة الحياة، والتي أطلقت مشروع مدرسة الحياة الصحفية، حيث يتم الحاق طلبة الإعلام ببرامج تدريبية ذات مستويات متدرجة لممارسة العمل الصحفي الميداني على أيدي كبار الصحفيين إلى جانب دراستهم بالجامعة.

وخلال انتقال الطالب من مرحلة إلى أخرى يمنح مكافأة شهرية، وفي حال اجتياز كافة المراحل يلتحق بالعمل بالمؤسسة أو غيرها، وقد كان لجامعة عجمان قصب السبق في التحاق ما يقرب من عشرين من طلابها بهذا البرنامج الطموح المعني بتخريج كوادر صحفية متميزة .

 التجربة الثانية هي ما قام به قسم الإعلام بالكلية من إنشاء قسم للتدريب الحر في مختلف التخصصات يلتحق به الطلبة دون التقيد بالتخصص، فقد يرغب المتخصص في العلاقات العامة التدرب على أساليب الإنتاج الإذاعي والتليفزيوني.

كما أن طالب الإذاعة والتليفزيون قد يهوى التصميم الجرافيكي فلا يحال بينه وبين ذلك وخاصة أنها علوم تكاملية وهو ما يؤدي إلى الارتقاء بمهارات الطلبة في كافة التخصصات. إن عالمنا العربي لا يحتاج إلى مزيد من الجامعات أو المؤسسات التعليمية رغم أهميتها بقدر حاجته إلى أفكار إبداعية.

 

Email