ممارسات دخيلة

ت + ت - الحجم الطبيعي

يصاب الكثير منا بالدهشة والإستغراب عند متابعتنا للأخبارو ما حفلت به وسائل الإعلام المحلية حول حفنة من الجرائم، التي زهقت فيها أرواح باستخدام السلاح الأبيض، بدا وكأنه مؤشر لـ«موضة» جديدة وتقليد حاز إعجاب بعض المتهورين من المراهقين والشباب العاطلين، أو المغامرين والباحثين عن الإثارة لإثبات الذات.

ومرد دهشتنا واستغرابنا أن مجتمع الإمارات كمجتمع عربي ومسلم ذي موروث قيمي متأصل، لم يعرف مثل هذا النوع من الممارسات، التي تحولت إلى سلوك إجرامي، وقد تتحول من ميول انحرافية إلى أفعال إجرامية تهدد الأمن والسلامة الاجتماعية..وهي كحادثة (الورقاء 4)، التي شهدت قتل مواطن ،الحادث «الذي هز في بشاعته المروعة المجتمع الإماراتي بأكمله.المسؤولية تقع أولاً وقبل كل شيء على بعض الأسر الغافلة عن أن حمل السلاح الأبيض واستخدامه من قبل أقلية طائشة، لا ينبغي السكوت عنه والتفرج عليه، بل الوقوف ضده بكل الوسائل.

إن القارئ لتقارير الإحصاء الجنائي التي تصدرها الشرطة في كل إمارات الدولة، يلاحظ أن الجريمة في انحسار، وذلك بفضل يقظة العيون الساهرة والدعم اللا محدود الذي تتلقاه الأجهزة الشرطية، مما جعل دولة الإمارات من أكثر الدول أمناً واستقراراً في المنطقة، إلا أن استدامة الأمن والاستقرار تتطلب تفعيل مفهوم ونشر ثقافة »المسؤولية الاجتماعية« والشراكة الاستراتيجية بين الشرطة والمجتمع، خاصة وأن الإحصائيات الجنائية تفيد تسجيل نحو عدد من البلاغات حول الاعتداء بالسلاح الأبيض في إمارة دبي لا نريد التقليل من أهميته، من أعمار مختلفة، معظمهم من الأحداث والمراهقين ومعتادي الإجرام وأصحاب السوابق.

وفي تقديري، ومن خلال ما كشفت عنه بعض الأبحاث والدراسات التي تناولت قضايا تدخل في صميم علم الجريمة (criminology)، نجد أن الاستخدام غير المسؤول للسلاح الأبيض تحول أو قد يتحول من سلوك فردي غير مسؤول إلى سلوك جمعي، تتبارى في القيام به مجموعة من الأفراد، إذا لم تتخذ الإجراءات والتدابير اللازمة والضرورية لمجابهتها.. والثابت أن من يعتاد على حمل السلاح الأبيض، لن يتردد في الحصول على السلاح الناري، مسدساً كان أم بندقية، وما أدرانا بوجود سلاح ناري غير مرخص في أيادي البعض (كحادثة بني ياس في أبوظبي منذ ثلاثة أعوام)

ويتابع الجميع الجهود التي تقوم بها أجهزة الشرطة في جميع إمارات الدولة، للتعاطي مع قضايا السلاح الأبيض، ولا شك أن وزارة الداخلية لا تألو جهداًونصيحةً مع أفراد المجتمع في الحد من انتشار الاستخدام غير المسؤول لهذا السلاح، من خلال مبادراتها.وبرامجها المتواصلة مع الجمهور.

في تقديري أن الحد من انتشار حالات استعمال السلاح الأبيض وسط بعض شذاذ الآفاق، يتطلب معالجته من أربعة منطلقات، وهى:

1. ان محاصرة الجريمة عموماً ليست مسؤولية الشرطة وحدها، وأن جهات عديدة أخرى كان عليها أن تدعم العمل الشرطي.

2. ان التركيز للسيطرة على السلوكيات الانحرافية، يتم عبر بوابة الوقاية كأهم عملية للمكافحة، ونكرر الوقاية لأنها خط الدفاع عن المجتمع.

3. ان تفكك بعض الأسر وإهمال مراقبة أبنائها، يؤدي بالضرورة إلى انفلات وتميع في سلوك الأبناء المراهقين، وتكون عواقبه وخيمة على المجتمع.

4. لإيجاد حل جذري لأي مشكلة، يتعين معرفة العوامل التي تتسبب في حدوثها أولاً.

وتشير بعض الكتابات حول ظاهرة العنف بين طلاب المدارس، إلى أن الظاهرة تتفاقم وتعبر عن حالات احتقان نفسي وضغوط اجتماعية، وهنالك من يرجعها للتفكك الأسري،أو الدلال الزائد. والبعض يرجعها إلى تأثير بعض الفضائيات وشبكات التواصل الاجتماعي والجلوس لساعات في مقاهي الإنترنت، والمخالطة الفارقة عمرياً بين الصبية ورفقائهم من أصدقاء السوء.

وهنا نحيي القيادة العامة لشرطة دبي، ممثلة في الإدارة العامة للتحريات والمباحث الجنائية وإدارة التوعية الأمنية بالإدارة العامة لخدمة المجتمع، على إطلاق حملات عدة ومستمرة .. تؤكد »خطورة استخدام السلاح الأبيض بين طلبة المدارس«، والتي نأمل أن تكون قد حققت أهدافها.. ونتطلع إلى تنظيم حملة وطنية شاملة، تشارك فيها كل الجهات ذات العلاقة.

ومع ذلك فإن فرص أن تتحول الحالات الفردية إلى ظاهرة تهدد المجتمع إن لم يمكن استبعادها، في ظل حمامات الدم المراق في الشارع العربي، ونحن، شئنا أو أبينا، لا يمكن أن نبعد عنا تداعيات هذه الأحداث.التي تدور رحاها في منطقتنا العربية.

ولهذا فإن مسألة السلاح الأبيض يجب أن توضع تحت المجهر، والحل الأمثل في تقديري يتمثل في الإسراع بإصدار تشريع اتحادي، يحدد متى وكيف ومن يحق له الاتجار بالسلاح الأبيض، ومن يحق له حمله ولماذا ومتى وأين و.. وهنالك الكثير من الأسئلة التي تحتاج إلى أجوبة، وتبقى ضرورة استصدار تشريع ناجز يغطي كل أبعاد الظاهرة، مطلباً ضرورياً.وملحاًوكلنا أمل وتطلع إلى ما ستقوم به وزارة الداخلية في القريب العاجل تجاه تلك الممارسات الإجرامية الدخيلة على مجتمع الإمارات.

Email