عزلة الرئيس أوباما محلياً ودولياً

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم تبد الإدارة الأميركية مرتبكة في سياساتها الخارجية، محلياً ودولياً، كما تبدو الآن، فالرئيس أوباما يوشك أن يُقر اتفاقاً مع إيران ينهي بموجبه عقود من الجفوة والعداء وترفع بموجبه العقوبات الدولية عن طهران إلا أنه يواجه اعتراضات قوية في الداخل والخارج.

فالكونغرس الذي سيطر الجمهوريون على مجلسيه ليس في صالح عقد هذا الاتفاق، حيث وجه سبع وأربعون عضوا من الجمهوريون في مجلس الشيوخ في خطوة غير مسبوقة رسالة إلى الزعيم الإيراني علي خامنئي يحذرونه من توقيع هكذا اتفاق، لأنه سيلغى حين يغادر الرئيس أوباما البيت الأبيض في غضون أقل من سنتين لأنه «يجب أن تدرك إيران بأن الكونغرس لن يقبل صفقة لم يوافق عليها».

هكذا وضع الجمهوريون الرئيس أوباما في عزلة في الوقت الذي يخوض فيه مفاوضات في غاية الدقة والأهمية مع طهران. رسالة الشيوخ الجمهوريين هي الثانية التي يتلقاها الرئيس بعد الرسالة الأولى التي بعثها الكونغرس حين استقبل بحفاوة بالغة خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي الموجه أساسا ضد سياسة إدارة أوباما اتجاه إيران.

والحقيقة أن الموقف الرافض للاتفاق مع إيران لا يمكن الاستهانة به، ففي دولة مثل الولايات المتحدة لا تصنع المؤسسات الحكومية وحدها السياسات الخارجية، فالأحزاب السياسية وجماعات المصالح والشركات العملاقة والإعلام والرأي العام لهم دور لا يمكن تجاهله في ذلك.

المفاوضات الجارية بين دول الخمسة زائد واحد وإيران هي مفاوضات أميركية إيرانية محضة تقريبا، وهي ليست ذات طابع فني فحسب تتعلق بعدد وحدات الطرد المركزي المسموح لإيران تشغيلها، فالمفاوضات ذات أطر سياسية وجغرافية حالية ومستقبلية تقلق دول المنطقة.

المتابع للموقف الأميركي لا يفوته رصد التراجع التدريجي في حدة خطاب الإدارة اتجاه إيران منذ وصول الرئيس أوباما للبيت الأبيض إلى درجة تلاشيها تماما في الآونة الأخيرة، وهذا في الحقيقة لم يصار إليه إلا من خلال إعادة النظر بمجمل السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، فالاتفاق المزمع التوصل إليه مع طهران جزء من استراتيجية أميركية جديدة في المنطقة.

سياسات إدارة أوباما الخارجية هي، إلى حد كبير، ردود أفعال لسياسات سلفه جورج بوش الابن الذي عمل على مدى ثماني سنوات من رئاسته على عسكرة السياسة الخارجية الأميركية، مما تسبب في تدهور مكانة الولايات المتحدة وتآكل صورتها الأخلاقية.

فالرئيس أوباما منذ توليه الرئاسة يسعى جاهدا إلى إنهاء الانشغال الأميركي في الخارج خاصة في أفغانستان والعراق والتعويض عنه في مناطق أخرى بعمليات تعتمد على وجود المستشارين وطائرات الدرون فقط.

هكذا حسم الرئيس أوباما الصراع الدائر بين البنتاغون والخارجية حول الانشغال الأميركي في الخارج لصالح الخارجية بعد أن كان البنتاغون طيلة فترة الرئيس السابق صاحب الكلمة العليا في تقرير ذلك.

إلا أنه ليس من السهل على الولايات المتحدة أن تتراجع بهذه السرعة دون أن تدفع ثمناً ليس بالبخس على حساب دورها في المنطقة لقوى بدأت بالنهوض على المستوى العالمي مثل روسيا والصين وعلى المستوى الإقليمي مثل إيران وتركيا.

تراجع الدور الأميركي دفع البعض للتشكيك بصحة مقولة الرئيس الأسبق بيل كلينتون حين وصف بلاده عند نهاية الحرب الباردة بأنها «الدولة التي لا يمكن الاستغناء عنها». لا شك أن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على لعب دورها السابق في المنطقة، ففي حقبة سبعينيات القرن المنصرم كانت أبرز أربع دول في المنطقة، إيران وتركيا ومصر والعربية السعودية حلفاء للولايات المتحدة، أما الآن فالصورة جد مختلفة، ومن هذا المنظور يبدو أن إدارة الرئيس أوباما لا ترغب في أن تجعل سياساتها الخارجية أسيرة للأحداث في منطقة لم تعد ترى فيها دولاً قوية تصطف لجانبها، وهي لا ترغب في الدخول في حرب باردة حول شؤونها.

الولايات المتحدة أمام ملفات عديدة ساخنة في الشرق الأوسط تقف إيران فاعلة بقوة فيها في العراق وسوريا ولبنان واليمن وربما في أفغانستان أيضا، فهناك تنظيم داعش في العراق وفي سوريا والقاعدة في اليمن وقد وجدت الإدارة الأميركية أن الحضور الإيراني في العراق لا يتعارض مع استراتيجيتها في حرب داعش متنصلة من التنبؤ بتداعيات ذلك في حقبة ما بعد داعش، ووجدت أن الحوثيين حلفاء طهران في اليمن أفضل من يواجه تنظيم القاعدة.

فالولايات المتحدة تبحث عن المشتركات مع إيران التي برهنت على مدى عقود من الزمن أن لديها القدرات على صناعة الأحداث وليس التصريحات وهي الدولة الوحيدة في المنطقة التي لا ترى ضيراً في زج قواتها لأداء مهام خارج أراضيها المجاورة وغير المجاورة.

وتأتي تصريحات وزير الخارجية الأميركية جون كيري عن ضرورة فتح الحوار مع الرئيس السوري منسجمة مع أجواء ترطيب الأجواء مع طهران على الرغم من الرفض والاستنكار التي لقيته في أوساط حلفائه الأوروبيين الذين يصرون على أن لا مكان للأسد في سوريا المستقبل، مما حدا بالإدارة الأميركية إلى الإسراع في القول بأن الوزير كيري لم يكن يقصد التفاوض مع الأسد مباشرة بل مع ممثلين لنظامه.

 

Email