اتقوا غضبة الحليم إذا غضب

ت + ت - الحجم الطبيعي

مع الانقلاب الذي نفذته الميليشيات الحوثية في اليمن، وتماديها في العدوان، وانتهاكاتها المتواصلة، وتزايد شرها وخطرها، وعدم استجابتها لأصوات العقلاء، وتهديدها لأمن اليمن الشقيق والمنطقة بأسرها، وتهديدها للسلم الدولي، ومع رسالة الرئيس اليمني إلى دول الخليج لطلب حماية اليمن وشعبه، وعدم جدوى الحلول السلمية؛ جاءت عاصفة الحزم لتضع النقاط على الحروف.

وتتصدى للعدوان الحوثي بحزم وقوة وعصف، وتوقف زحف هذا الخطر المدعوم من قوى إقليمية، وتكبح جماحه، وذلك في عملية عسكرية مظفَّرة بإذن الله، اتسمت بالوضوح والشفافية، وجاءت عبر ائتلاف بمشاركة دول خليجية وعربية وإسلامية، وبتأييد منقطع النظير من شعوب المنطقة وعقلاء العالم.

لقد قيل قديماً: اتقوا غضب الحليم إذا غضب، وقيل أيضا: غضب الحليم لا يُطاق، فإن الحليم لا يزال يبسط جناح اللين والرفق في التعامل مع المشكلات والمعضلات، ويحاول الاحتواء والعلاج بالحسنى ما أمكن، ويُمهل للمسيء لإعطاء الفرصة بعد الفرصة، وقد يتهمه ضعاف النظر والمتعجلون بسبب ذلك بالضعف والتخاذل، وليس ذلك ضعفاً ولا تخاذلاً وإنما حكمة وصبر وتعقُّل.

ولكن إذا خرج جناية الآخر عن حد التَّحلُّم، وتفاقم شره وخطره، وبلغ السيل الزبى، وأُغلقت الأبواب كلها إلا باب الحزم والقوة، فلا مناص وقته من اللجوء إلى الردع، كوسيلة حكيمة من وسائل العلاج الناجع، فإن آخر الدواء الكي، ولكل مقام مقال.

وهذا ما حدث في عملية عاصفة الحزم، يقول الدكتور أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية في حسابه على تويتر: «قرار عاصفة الحزم لم يأت متسرِّعا، وسبقه جهد سياسي مكثف، ومبادرات صادقة لم تصادف إلا جحوداً وعدواناً، هذا العلاج جاء بعد أن طرقنا كافة الأبواب».

لقد بذلت دول الخليج كل الجهود المستطاعة لاحتواء المشكلة في اليمن بالطرق السلمية والمبادرات السياسية، ولكنَّ المعتدين لم يستجيبوا لشيء من ذلك، بل أعماهم غرورهم، وغرتهم أطماعهم، ولربما ظنوا أن وجود من يمدهم ويقف خلفهم يغنيهم عن أي شيء آخر، ويمهد لهم الطريق لبسط نفوذهم في المنطقة، والاستمرار في جرائمهم، فأتاهم الأمر على غير ما احتسبوا.

حيث وجدوا دول الخليج ودولاً عربية وإسلامية تقف لهم بالمرصاد، وتتصدى لعدوانهم، وتفشل مخططاتهم، ليوقنوا بذلك أن غضب الحليم وخيم، وأن من أراد أن يفرض أجنداته الطائفية للإضرار بأمن المنطقة وسلامتها فليتحمل تبعة ذلك.

لقد أثبت الواقع ولايزال أن الفكر الطائفي هو من أخطر ما يهدد السلم الاجتماعي، ومن أكثر العوامل المساعدة على نمو الإرهاب والتطرف وتزايد بؤره ونشاطه، وهو سبب رئيس لنشوب الصراعات والنزاعات، ونشر التعصب والكراهية والأحقاد، ولهذا فليس هناك مناص من التصدي لهذا الفكر الضار.

وتحصين العقول منه، ومواجهته بكل طريق مستطاع، والناظر في كثير من الصراعات المحتدمة اليوم في بعض المناطق يجد ملامح الفكر الطائفي والإرهابي فيها بادية لا تخفى، حتى أصبحت بعض تلك المجتمعات تذوق المرارة والويل بسبب الطائفية والإرهاب، ولذلك اشتملت رسالة الرئيس اليمني إلى قادة دول الخليج طلب التصدي للحوثيين والتنظيمات الإرهابية التي تهدد الأخضر واليابس ولا ترحم صغيراً ولا كبيراً.

كما أثبت الواقع أيضا أن الاجتماع والاصطفاف حول المصالح العليا والأهداف الكبرى من قبل الدول هو الحل الأمثل لمواجهة التحديات المختلفة، وهو الضمان الأكبر لإرساء دعائم الأمن والاستقرار والسلام، وهو الحل الأنجح للوقاية من مختلف الأخطار التي تهدد الدول والمجتمعات، سواء كانت أخطاراً طائفية أو إرهابية أو غير ذلك، كما قال الله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرَّقوا}.

وقال سبحانه: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}، فالاعتصام والاجتماع سبب للقوة والازدهار، وتحصين من المهددات والأخطار، وهذا ما ظهر جليا في عاصفة الحزم، حيث رأينا بعين الحبور والفرح اصطفاف دول الخليج ودول عربية وإسلامية جنباً إلى جنب كالجسد الواحد والبنيان المرصوص للتصدي للخطر الحوثي.

إن قرار عاصفة الحزم تعكس حكمة قيادة دول الخليج وإخوانهم من قادة العرب والمسلمين، وبعد نظرهم، وعمق إحساسهم بالمسؤولية، وشجاعتهم في اتخاذ القرارات الحاسمة، وإيمانهم بمبدأ الوحدة والتعاون لتحقيق المصالح والأهداف، كما جاءت تسمية العملية العسكرية بعاصفة الحزم مشتملة على دلالات واضحة، فهو حزم وقوة إذْ لم ينفع الرفق واللين، وهو حزمٌ عاصفٌ رادعٌ يدك معاقل العدوان ويجتثُّه من جذوره.

شكر الله مساعي ولاة أمرنا، وحرصهم على حفظ أمن المنطقة واستقرارها، ووقوفهم بجانب الأخ والشقيق، وجهودهم في تحقيق التعاون المثمر البنَّاء مع إخوانهم من قادة دول الخليج والدول العربية والإسلامية، وأخذ بأيديهم إلى كل خير وسداد.

ونسأل الله تعالى أن يحفظ جنودنا البواسل وإخوانهم الأبطال المشاركين في عاصفة الحزم، وأن يسدد رميهم، ويثبِّت أقدامهم، ويبارك في خطاهم، ويمكِّنهم من تحقيق أهدافهم، ويعيدهم إلى ديارهم سالمين غانمين ظافرين.

 

مدير عام مؤسسة رأس الخيمة للقرآن الكريم وعلومه رئيس مركز جلفار للدراسات والبحوث

Email