السعودية والسويد… خلاف ثقافي أم سياسي ؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

أثارت وزيرة خارجية السويد مارغوت فالستروم، جدلاً في المنطقة، بعد تصريحاتها السلبية عن السعودية. وهي التي انتقدت أحكام النظام القضائي الإسلامي المطبق في السعودية، على خلفية قضية الحكم الصادر ضد المواطن السعودي رائف بدوي. والغرابة أنه في السويد والدول المتقدمة، يشددون على استقلالية القضاء وهيبته، وعدم التعرض له أو التشكيك في أحكامه.

ولكن ازداوجية المعايير هذه التي تطرح تساؤلاً حول مبررات هذا الهجوم. والسعودية تلتزم دائماً بضمان استقلال السلطة القضائية كمبدأ ثابت ومرتكز لحماية وتعزيز حقوق الإنسان. وهذا الذي أكده مجلس الوزراء السعودي في بيانه القوي.

والسعودية في نظامها القضائي، هو يستند إلى الشريعة الإسلامية، وهذا هو النهج التي تقوم عليه الدولة السعودية.

فالقضاء يتمتع باستقلالية، والكل متساو، وله حق التقاضي والحصول على حقه. والإشكالية هنا أن السياقات الثقافية في المنطقة العربية غير مفهومة، وربما هذا يعود لاختلاف الحضارة والثقافة السائدة. وحينما يحاول طرف أن يطبق المعايير التي يعيش فيها ويؤمن بها على الآخرين، فإنه، وربما بدون قصد، يمارس تجاوزاً لحقوقه، ويتجاهل مبدأ احترام حقوق الآخرين وخياراتهم وثقافتهم.

وكان الموقف العربي والخليجي قوياً في هذا الشأن، وبالذات الموقف الإماراتي المشرف. التي قررت استدعاء سفيرها من استوكهولم، احتجاجاً على تصريحات وزيرة الخارجية. وهذا الموقف الإماراتي يقدم صورة عن حجم التنسيق السعودي الإماراتي. الذي يعمل بشكل احترافي ممنهج.

وهو الموقف الذي يدعم مكانة البلدين دولياً. والاحتجاج الإسلامي والعربي مرده إلى أن القضية ليست سياسية بين السعودية والسويد، ولكن اعتبرها كثيرون أنه تهجم على القضاء الذي يستند إلى الشريعة الإسلامية. ولهذا أخذت القضية بعداً يتجاوز مساحة البلدين.

وعندما طرحت قضية الرسوم المسيئة للرسول عليه الصلاة والسلام، نظر لها الغرب على أنها حرية صحافة، بينما وصفها مسلمون بأنها إساءة، وأن الحرية لا علاقة لها بالتعرض للرموز الدينية، وأن هذا استفزاز لمئات الملايين من المسلمين. ومن الصعب تبرير التجاوزات تحت مسمى الحرية.

ومن المؤسف أنه في التداخل الكوني نتيجة صناعة الاتصالات وشبكات التواصل الاجتماعي، إلا أننا نتباعد ثقافياً، وأحياناً تتحول هذه العوامل إلى سبب أن كل طرف يتشدد للثقافة والفكر الذي يأتي منه. وهذا التشدد الفكري للثقافة الخاصة، يقلص فرص التسامح والحوار في المجتمعات.

النظام القضائي السعودي مستقل، ولكن هذا لا يعني أنه لا يتطور، والسعوديون يطالبون في صحفهم ومنتدياتهم بتطوير منظومة القضاء. وهناك مشروع ضخم لتطوير النظام القضائي، وإنشاء محاكم متخصصة، وقد تمت الموافقة على نظام المرافعات الشرعية، ونظام الإجراءات الجزائية، ونظام المرافعات أمام ديوان المظالم. و

هذه الأنظمة ضمن مشروع مستمر لتطوير منظومة القضاء، وفي نفس الوقت، ضمان استقلاليته. وبالتأكيد أن النظام القضائي السعودي مختلف عن السويدي، ولكن هذا ليس مبرراً للنظر بدونية لأي منهما. فنحن نحترم الاختلاف، ونتوقع من الآخرين أن يتفهموا الاختلافات الموجودة، وينظروا إليها من خلال السياق الذي تؤمن به المجتمعات.

والسعودية دولة لديها مشاكلها، مثل أي دولة في العالم، وتعمل على حلها. وهناك تطور في دور المرأة، فهي الآن عضو في مجلس الشورى، كما أن الأنظمة لا تفرق بين الرجل والمرأة. وحجم الطالبات السعوديات المبتعثات للدراسة في الخارج، يحقق أرقاماً قياسية في تاريخ الابتعاث السعودي.

ورغم ذلك، هناك نقاش صحي داخل السعودية حول كيفية تمكين المرأة للقيام بدورها وإعطائها حقوقها كاملة. والسعوديون لا يدعون الكمال في هذا الشأن. ولكنها مسيرة تأخذ وتيرة التطور التدرينتائجها دون مشاكل اجتماعية.

التطوير مهم، وهناك ملفات كثيرة في السعودية تطرح للنقاش بهدف التطوير والتقويم. وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، قال إن التطوير سمة لازمة للدولة منذ أيام المؤسس الملك عبد العزيز، يرحمه الله.

وهذا طرح واقعي لتوجهات الدولة في التطوير والتحديث، بما لا يتعارض مع منهجها الإسلامي. وبالتأكيد، تطوير القضاء واحد من الملفات المهمة التي تعطيها الدولة أولوية خاصة، وهي على رأس الأجندة لدى القيادة السعودية.

الاختلاف الحضاري والثقافي بين الدول موجود، وأمر مرغوب، لأنه يشجع على التعددية والانفتاح. ومن المهم في هذا الوقت الذي نعيش فيه جدلية حوار الحضارات أم تصادم الحضارات. وهو النقاش الذي يأخذ ألواناً وأشكالاً متعددة. وأحياناً يولد عنصرية ضد الآخر، لأن الاختلاف مسموح، ولكن لا يصل إلى حد الخلاف والتهجم على معتقدات وفكر الآخر.

 ويفترض من الأشخاص ذوي المراكز المهمة في أي دولة والمفكرين والكتاب، أن يسهموا بدورهم السياسي والفكري في جعل الحضارات تتحاور، ولا تتصادم. لأن التصادم عودة للوراء، وفتح الأبواب للتطرف والتشدد والإرهاب.

 

Email