خراف هذا الزمن!!

ت + ت - الحجم الطبيعي

بين شقوق الصخر، تنبت عشبة وأحياناً زهرة. لكن حين يتفتت الصخر لا بد من يد تزرع بذرة. وقديماً قيل «تمخض الجبل فولد فأراً». وكم من فأر ولد منذ تفتت الجبل العربي في ما سمي بـ«الربيع»، وكم من عربي قُتل أو شنق أو ذُبح؟ كم بيتاً تهدم ومدنا انتحرت وكم امرأة ترملت وطفلاً تيتم.

لكأننا خراف هذا الزمن، لكأننا «الحيطة الواطية» التي قفز عليها اللصوص والطامعون والمستعمرون القدامى والجدد وخربش عليها الحاقدون والطاعنون في العداوة للعرب النصوص الموغلة في الكره، المنقوعة في السم الديني والتاريخي.

منا من يتعامى، ومنا من هو اعمى لا يرى كيف ينهار البيت العربي بأعمدته وجدرانه وسقفه ولا يحرك ساكناً. اذ كيف يحرك ساكناً من ليس له سكن في الوطن أما من له بيت فإنه غير آمن عليه وعلى الوطن؟

نحن نعيش حالة صدمة وطنية وقومية، لا بل صدمات متتالية، ما ان نستعيد بعضاً من توازننا حتى تصفعنا كف ثانية فنعود الى الاهتزاز ويستمر الزلزال، يسقط من يسقط ويعلو من يعلو ويصبح القصر تحت سيطرة العبيد والحراس خونة.

كيف حدث ما حدث في العراق وما يحدث في سوريا وليبيا ومصر واليمن؟ من يصدق كيف سيطر الحوثيون على صنعاء برمشة زمن وخرج الرئيس متنكراً منكسراً الى مسقط رأسه خور مكسر، يا لمصادفة الأسماء، يا لتفاهة السيناريو. انه الانكسار بعينه وقدميه و.. رأسه.

كيف أصبحت إيران على حدود السعودية وباب المندب فارسياً؟ كيف أصبحت طهران تتحكم في أربع دول عربية وتركيا من خلال داعش والنصرة في نبض الأمة، ومتى يذهب العربي إلى فراشه ومتى يصحو، وفي تحديد أسعار النفط العالمية؟

نحن العرب لا تتقن لعبة السياسة، نطيش في شبر ماء، وحين نعطش نشرب الماء ويلقى بنا إلى أمنا الصحراء.

دعمنا سرا «القاعدة» لمحاربة الشيوعية فانقلبت علينا، وفرّخت القاعدة داعش فشوهت إسلامنا وهددتنا، والنصرة فاستغلها أعداؤنا وتشتت المسلمون إلى عشرات الفرق التي قال عنها الرسول الكريم إنها ستكون اثنين وسبعين فرقة.

أما عن حالنا فقال (صلّى الله عليه وسلم): يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، قيل (أومن قلة نحن يومئذ؟) قال (بل أنتم كثير ولكن كغثاء السيل، ولَينزعن الله المهابة من صدور أعدائكم ولَيقذفن في قلوبكم الوهن) قيل (وما الوهن؟) قال (حب الدنيا وكراهية الموت).

الخيط رفيع بين الشعور والتطبيق، بين النظرية والتنفيذ. ثمة من يستغل الخيط الأبيض الذي يربط المسلم بدينه والعربي بقوميته ليرتق به قلنسوة يهودية تمزقت عبر التاريخ ويحيك للمنطقة خيمة صهيونية تظلل مملكة اليهود من النيل الى الفرات. لكن المخططين الصهاينة يفوتهم انهم مغضوب عليهم وما العلو الذي يعلونه الى الطريق الى نهايتهم.

فحسب استطلاع للرأي أجرته القناة التلفزيونية الإسرائيلية الثانية في أعقاب الحرب العدوانية على قطاع غزة، فإن 30% من الإسرائيليين قالوا إنهم يدرسون بجدية مغادرة «اسرائيل» في حال توفرت لهم الفرصة لذلك، وفي اعقاب هزيمتهم في حرب لبنان عام 2006 قال 63 بالمئة انهم سيهاجرون الى الخارج.

وجاء في كتاب مذكرات الكاتب الصحافي الإسرائيلي البارز يارون لندن قوله: في السنوات الأخيرة بدأت أتفهم وأهيئ نفسي لأخبر حفيدي بأنني سأبحث لي عن وطن آخر غير إسرائيل.. فأنا أتفهم كل المتخوفين وكل الإسرائيليين العالقين بهاجس الخطر بشكل دائم.

وفي حديث له لصحيفة يديعوت أحرونوت قال لندن إن كثيرا من الإسرائيليين بدأوا يقولون إن مستقبل إسرائيل على مدى عدة أجيال قادمة هو أمر مشكوك به وأضاف قائلا: أنا اعطي إسرائيل فرصة 50% من الاستمرارية وفي السنوات الأخيرة أصبحت شبه جازم بأن هذه البلاد لنتقسم الى دولتين ولا يوجد قوة سياسية تستطيع فرض حل مماثل.

اما للذين يتذمرون من أفكاري فأقول لهم ان رقم 50% هو جيد جدا، وفي عديد من توقعاتي لم اصب.

واعتبر لندن قطاع غزة كارثة بشرية، حيث نزح وهجر مئات الآلاف اليه في حرب الـ 1948 ليتجمعوا في مكان لا تتوفر فيه أدنى متطلبات الحياة، ليعيشوا بين رغبة الانتقام وهو لا للتهجير وبناء مكان للعيش فيه وهذا أمر صعب جداً. المجتمع الإسرائيلي يعاني من التفسخ والانهيار الأخلاقي.

أما إسحق ليئور، فكتب في «هآرتس» بعنوان «ديودوردنت الطهارة»، ساخرا من بؤس الأخلاق في الداخل، مقابل غيابها في التعامل مع الفلسطينيين، لكنه يذكر قصصاً جديرة بالتوقف عن الفارق بين زعماء الماضي، وأمثالهم في الحاضر.

يروي «ليئور» عدة قصص قديمة كالتالي: «قصة من سنوات الخمسين: دخل صحافي في إحدى الليالي الماطرة لمقابلة رئيس الدولة يتسحاك بن تسابي في مقر الرئاسة، جلس في غرفة الانتظار شرطي يحتسي الشاي. »أين الرئيس؟«، سأله الصحافي، أشار الشرطي من خلال النافذة إلى رئيس الدولة الجالس في كشك الحراسة في الخارج، في البرد، وقد حل مكان الشرطي إلى أن ينهي شرب الشاي».

يضيف: «قصة أخرى ذات صلة: أعضاء الكنيست الشيوعيون، حتى نهاية سنوات الثمانينات، تبرعوا برواتبهم لصندوق الحزب، وحصلوا بالمقابل من الحزب على الدخل المتوسط لعمال المصانع». ثم يسأل بعد ذلك: «ما هو المشترك بين هذه القصص؟ الروح المفقودة كلياً، ليس الشوق إلى هذه الروح هو الدافع إلى مهاجمة نتانياهو ونمط حياته، ولا إلى سفك دم زوجته بهذه الطريقة العاهرة».

إسرائيل في المنطقة نبتة سرطانية جغرافياً وشيطانية دينياً، فإما الاستئصال أو الدمار حتى يعم السلام ويشفى العرب والعالم من الحروب التي لا ولن تنتهي. لكن قبل أن يحصل هذا لا بد أن يستيقظ العرب من هذا السبات المقيت.

 

Email