أميركا وسياسة أن تحارب الإرهاب وتحالفه

ت + ت - الحجم الطبيعي

فور إذاعة نبأ رحيل المغفور له الملك عبد الله بن عبد العزيز، أعلنت واشنطن أن نائب الرئيس الأميركي بايدن سيرأس وفد العزاء في الراحل الكبير، لانشغال أوباما في رحلة مقررة إلى الهند.

ثم ما لبثت الإدارة الأميركية أن أعلنت أن الرئيس الأميركي سيختصر زيارته للهند، وسيرأس بنفسه وفد العزاء الذي لفت الأنظار لحجمه الضخم وبالشخصيات التي ضمها من الإدارة الحالية أو الإدارات السابقة ومن قادة الحزبين الديمقراطي والجمهوري.

التغيير في تشكيل الوفد وقيادته عكس في النهاية الأهمية القصوى للعلاقات الاستراتيجية بين البلدين (الولايات المتحدة والمملكة السعودية)، رغم أي خلافات طارئة في مواقف الدولتين. لكنه، من ناحية أخرى، يعكس حالة الارتباك التي تعيشها السياسة الأميركية في المنطقة، في ظل قيادة أوباما الذي بدأ عهده وسط تفاؤل بعلاقات أميركية ـ عربية مميزة، وبآمال أطلقها في خطابه الشهير من جامعة القاهرة، بأن يدخل التاريخ باعتباره صانعاً للسلام وحليفاً للتقدم في العالم العربي بالذات.

ثم ها هو يكاد ينهي عهده والمنطقة تمر بأسوأ أحوالها، والدمار يضرب في أكثر من بلد عربي، والإرهاب يستولي على نصف أراضي سوريا والعراق ويقيم له دولة وخلافة، وإيران تمد نفوذها في أكثر من عاصمة عربية، والسياسة الأميركية تتخبط والنفوذ الأميركي يتراجع، وأشد أصدقاء أميركا يصدمهم هذا الارتباك في سياسة الدولة العظمي.

وبغض النظر عن دور الأجهزة الأميركية في دعم أكبر المنظمات الإرهابية (من القاعدة إلى داعش) حين كانت في خدمة سياساتها، فإن إعلان أميركا أنها ستقود الحرب على داعش قد تم أخذه على انه تصحيح جوهري وأساسي لسياسات خاطئة، لكن ما جاء بعد ذلك كان مذهلاً في تناقضه! فالإرهاب ـ كما أعلنت الإدارة الأميركية ـ كان قاصرا على داعش فقط، والتدخل سيكون في العراق فقط، رغم أن مركز داعش الأساسي هو في سوريا التي يتم تدميرها منذ أربع سنوات! وتحرير مدينة مثل الموصل من أيدي مجرمي داعش، سوف يستغرق ثلاث سنوات على الأقل، وفق تقديرات واشنطن، ومع الاكتفاء بهجمات للطيران، بينما داعش تذبح الآلاف من المسلمين وغير المسلمين! وباقي «الدواعش» يدمرون سوريا ويتمركزون في ليبيا ويستولون على اليمن ويواصلون محاولاتهم المستميتة والفاشلة لضرب الدولة في مصر!

وهكذا بينما كان الرئيس أوباما يقدم العزاء في فقيد الإسلام والعروبة الملك عبد الله بن عبد العزيز، كانت نتائج سياساته الكارثية تطبق على المنطقة. ولعله أدرك وهو في الرياض، أنه لولا ما حدث في مصر في 30 يونيو حين اقتلعت ثورة الشعب التي انحاز لها الجيش، حكم الإخوان، ولولا حكمة الراحل الكبير الملك عبد الله ووقوفه مع مصر ومعه عدد من دول الخليج في مقدمتها الإمارات، لدعم مصر التي لم تكن تواجه فقط حكم الإخوان الفاشي، بل كانت تواجه أيضا دعم إدارة اوباما، الذي لم يتوقف حتى الآن، لجماعة الإخوان التي كانت أساس كل جماعات الإرهاب في المنطقة، ومع ذلك يرفض أوباما إدراجها في قائمة الإرهاب، ويتمسك حتى الآن باعتبارها رمزاً للديمقراطية التي يريدها للعرب والمسلمين!

وفي الوقت الذي وصلت فيه الاوضاع في اليمن إلى انهيار الدولة وانتظار الحرب الاهلية والخطر الذي يمثله وصول النفوذ الايراني إلى باب المندب، كانت واشنطن ـ بعد صمت طويل على ما يجري هناك ـ تكشف عن اتصالاتها بالحوثيين.. ربما لتبحث معهم قضايا الديمقراطية والحريات، كما بحثتها من قبل مع «الدواعش» وهم يذبحون كل من يخالفهم ويدمرون دولاً بأكملها ليقيموا خلافتهم المزعومة! وفي نفس الوقت الذي كان اوباما يزور فيه الرياض ليقدم العزاء في الراحل الكبير الملك عبد الله، كان حلفاؤه في جماعة الاخوان يواصلون حربهم على شعب مصر، بمحاولة حرق القاهرة، وبارتكاب أبشع الجرائم ضد المواطنين وبتدمير المنشآت العامة!

والأغرب أن الدولة العظمى التي تقول إنها تقود الحرب ضد الارهاب، تحتفي بممثلي الجماعة التي أسست للإرهاب في العالم العربي، وتقيم لهم الندوات وتنظم لهم المقابلات، وتترك لهم المجال ليؤسسوا كياناً حزبياً داخل أميركا..

الرسالة واضحة، والدولة التي تقول إنها تقود العالم في حربه ضد الإرهاب، تطمئن ـ في نفس الوقت ـ الإرهابيين إلى أنهم ما زالوا تحت رعايتها، بينما يطمئنها الإرهابيون أنهم في خدمة أهدافها.. والباقي تفاصيل. والحقيقة الأساسية في كل ذلك، أن التحالف العربي هو وحده القادر على خوض المعركة ضد الإرهاب بكل فصائله، ورغم أي دعم من قوى التآمر داخل المنطقة أو خارجها.

لم تكن المؤامرة واضحة كما هي اليوم، ولم يكن الخطر على الأمة العربية كلها أشد مما نراه الآن. ولم يكن الموقف الذي اتخذته مصر والسعودية والإمارات في مواجهة الإرهاب والتصدي للمؤامرة، إلا الموقف الوحيد الذي يمكن اتخاذه ضد أعداء الوطن والعروبة والإسلام. وستظل وحدة هذه الدول هي مفتاح النصر في هذه الحرب، مهما كانت التحديات.

Email