كيري وعروضه البائسة

ت + ت - الحجم الطبيعي

لكثرة الجولات والمشاوير وكثافة الجهود، التى يبذلها وزير الخارجية الأميركي جون كيري دفاعا عن سياسات إسرائيل وتغطية لعوراتها على كافة الصعد، أوشكنا أن نتساءل عما إذا كان الرجل وزيرا للخارجية الأميركية أم انه يعمل في بلاط حكومة تل أبيب؟!

في نطاق العام 2014 فقط، أهلك كيري جل وقته وفقد الكثير من راحة باله، متنقلا بين واشنطن وبعض العواصم العربية والأوروبية، بحثا عما يعطي قبلة حياة للمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية.

لكن غدواته وروحاته ذهبت أدراج الرياح على يد سياسات حكومة بنيامين نتنياهو؛ التي فضلت استمرار سياسات الاستيطان واغتصاب أرض الفلسطينيين وما يترتب عليها من أخطار على مقتضيات السلام وحل الدولتين معهم. إفشال إسرائيل للمفاوضات أغضب الفلسطينيين إلى أبعد الحدود، وكان يتعين على كيري أن يشاركهم هذا الاستياء..غير أنه تلقى الأمر بروح رياضية عالية، وما لبث إلا قليلا حتى عاد سيرته في التصدي لمحاولة الطرف الفلسطينى رفع ظلامته إلى مجلس الأمن.

وبالنظر الى سطوة واشنطن وطاقتها الجبارة على الضغط والمساومة، فقد أفلح كيري في إحباط هذه المحاولة. ولا ندري إن كان النجاح في انتهاك القانون الدولي وشرعة حقوق الإنسان والشعوب في تقرير مصائرها، قد أشعره بالغبطة.

ما نعلمه أن الدبلوماسية الأميركية ردفت إسرائيل بمدد سياسي أدى إلى إفلاتها مجددا من تبعات العصيان والتمرد على القوانين الدولية، وتعطيل قطار التسوية وكسر خواطر الفلسطينيين ومن يظاهر حقوقهم إقليميا ودوليا،لأجل إرضاء الشريك الإسرائيلي.

بعد موقعتى المفاوضات ومجلس الأمن، نحن الآن في معرض مداخلة أميركية أخرى لقمع السلاميين الفلسطينيين، يضطلع بها كيري ما غيره .. ومؤداها المساومة على سحب الشكوى الفلسطينية إلى محكمة الجنايات الدولية، مقابل تجميد النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة والقدس الشرقية . كيري وفريقه لايملون من معالجة هموم إسرائيل وممارسة دور الحارس الأمين لخياراتها السفيهة.. ولا ندري ما إن كان هذا العرض الأخير يقوم على ضمانات منها بوقف الاستيطان. لو كان القرار الإسرائيلي بهذه البساطة، فلماذا ضحى نتنياهو بالمفاوضات وساق الفلسطينيين كرها إلى خيار مجلس الأمن ؟.

ترى هل يخشى نتنياهو من تدخل المحكمة الدولية بأكثر من خشيته لمجلس الأمن ؟!.. ثم إن نتنياهو مقبل على معركة انتخابية حامية الوطيس، تلزمه أقصى مواقف التشدد والتنمر، وهذه حقيقة تتنافى واحتمال الليونة مع قضية الاستيطان. استشراف الانتخابات، دفعت نتنياهو الى استفزاز حزب الله بقتل بعض من قياداته دون تبصر في العواقب وردود الأفعال. كان المهم عنده هو إثبات الجدارة برئاسة الوزارة لدورة أخرى، أمام ناخبين من صنوه ؛ باتوا يميلون كل الميل نحو التطرف والعنف. هذه الأجواء لا تبشر بالتعاطي الإيجابي مع خطة كيري الجديدة.

ما يثير الأسى والمرارة، أن كل الخيارات والسياسات الفلسطينية ؛ التي تأبى واشنطن إلا إحباطها وإسقاطها، تراوح في دائرة الحلول السلمية والقانونية .

وأحد المعاني المستلهمة من هكذا صدود أميركي وتعزيز لمواقف اسرائيل بالباطل، هو إحراج أصحاب هذه الخيارات الى أبعد التصورات، وصولا الى احتمال كفرانهم بالوسائل والسبل السلمية لتحصيل حقوق وطنية واضحة كشمس الظهيرة . وإذا وقع هذا الاحتمال، فان السؤال المشروع : هل تستحوذ جعبة كيري وصحبه على بدائل أخرى، غير الفوضى فلسطينيا وربما إقليميا أيضا ؟!..

ولأن الشيء بالشيء يذكر، فانه مقارنة بالأميركيين، أثبت الأوروبيون أنهم أهل دراية أوسع وحنكة أعمق بأحوال القضية الفلسطينية ومآلاتها.. ذلك حين راحوا يظهرون تباعا لاسرائيل شيئا من احمرار الأعين والغضب المشفوع بإمكانية العقاب، وقاية لها من غرورها وسيئات أعمالها. تقديرنا أن الاعترافات الأوروبية البرلمانية المتوالية بالدولة الفلسطينية تندرج تحت هذا الفهم، وأنه إذا أرادت واشنطن تجنب السيناريوهات الأسوأ من حول سياساتها ومصالحها " الشرق أوسطية"، فليس أمامها غير الاستهداء بأفكار الحلفاء الأوروبيين ومداخلاتهم الأريبة.

Email