عظم الله أجورنا في الملك

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يفت عضد الأمة إلا موت قادتها الكبار، ولا يحزنها إلا سقوط حبة من لآلئ عقدها الثمين، فبعد أن ودع الشعب السعودي أحب أمرائه الأمير سلطان بن عبدالعزيز، ومن بعده الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود، رحمهما الله، ترجل فارسها الكبير وحبيب قلوب شعبها الوفي الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، الذي استفاق الشعب السعودي صباح الجمعة على صدمة خبر وفاته. بقدر ما حملت قلوب السعوديين لمليكها من محبة، غدا يتيماً حزيناً بفقد الأب الحنون والقائد النبيل الذي أحبه الصغار قبل الكبار.

لم يكن الفقد ثقيلاً على الشعب السعودي الشقيق فقط، وإنما لنا جميعاً في دولة الإمارات، حُزن أبناء الإمارات لم يختلف عن حزن أهلنا في السعودية، رحيله ذكرنا بألم فراق والدنا الشيخ زايد من قبل، كل ألم يصيبنا كعرب في أي بقعة من الخليج هو ألم جماعي، فما بالنا بألم فراق أبومتعب.

قَدَر القائد الراحل أن يكون حاكماً لدولة هي محور الأرض، وأن يُلقب رحمه الله بخادم الحرمين الشريفين، وأن تشهد فترة حكمه وحياته أكبر توسعة للمسجد الحرام، بتوجيهاته وبمباركة ورعاية كريمة منه.

قَدَر بومتعب رحمه الله، أن يكون ملك أكبر دولة إسلامية، ومقر بيت الله الحرام فيها، أشرف بقاع الأرض، قَدَره أن يرزقه الله كرم استضافة مملكته سنوياً وفي كل المواسم ضيوف بيت الله الحرام، وهذا أكبر تشريف له في الدنيا، فذلك التكريم يخص الله به صفوة من عباده الكرام، فاستقبال الملايين سنوياً وعلى مدار الساعة للأعداد الهائلة من معتمري وحجاج بيت الله الحرام، والعناية بهم من كافة النواحي، مهمة ليست بالهينة على الأجهزة السعودية كافة، والتي أدت مهامها بكل أمانة وإخلاص، وكانت مثالاً يحتذى به.

كان قَدَرُه أن تكون فترة حكمة وخصوصاً أواخرها، شاهدة على أكبر أزمة في تاريخ مجلس التعاون الخليجي، تلك الفترة العصيبة التي آلمت الخليج وأوجعت أبناءه جميعاً، فترة صعبة بكل المقاييس الأخوية، فكانت حكمة الراحل بومتعب طوق النجاة للسفينة الخليجية، شاء الله بِقَدَرِه أن يختمها له بأعز وأغلى موقف تمناه أبناء الخليج، وطال انتظارهم له، فكانت المصالحة الخليجية الكبيرة والغالية بين قطر ودول مجلس التعاون الخليجي، بعد فترة عصيبة على قلب كل أبناء الخليج العربي، واحتضن قلب بومتعب الحنون أبناءه واحتواهم من جديد، فصدق فيه قول الله تعالى: «لا خَير في كَثيرٍ مِنْ نَجْواهُم إلا مَن أمَرَ بِصَدقةٍ أو معروفٍ أو إصلاحِ بينَ الناسِ وَمَن يَفعلْ ذلك ابتغاءَ مرضاةِ الله فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظيماً». النساء/114

نسأل الله له الجزاء العظيم من رب كريم.

قَدَر الراحل العزيز أن تشهد فترة حكمه أخطاراً خبيثة المنبت عظيمة الخطر على بلاد العرب أجمع، سُميت جزافاً بالربيع العربي، وما هي إلا خريفٌ بائس، لن ينسى التاريخ موقفه منها، ولا حزمه من التصدي للإرهاب، فكان من نصيب قواته المُرابِطة على الحدود شرف نيل الشهادة، حين تربص بهم أعداء الإسلام والمسلمين ممن نسبوا أنفسهم للإسلام زوراً وبهتاناً، وأهدروا دماء المسلمين بإسلامهم المهجن.

قدرك أيها الراحل الكثير من النهر الجاري في صحيفة أعمالك إلى يوم القيامة، نسأله تعالى أن يجزيك بها أحسن الجزاء وأوفاه ويعظمه لك، فكما كنت ملكاً متوجاً على قلوب شعبك وقلوبنا جميعاً في الدنيا، نسأل الله لك ملكاً آخر في جنة عرضها السماوات والأرض، وقدرنا أن يوجعنا رحيلك.

Email