وداعاً ملك الإنسانية.. ووحدة الصف

ت + ت - الحجم الطبيعي

لقد رحل عن عالمنا إلى جوار ربه.. رجل الحكمة والمواقف الإنسانية العظيمة المشرفة، وصاحب الكلمة القوية المؤثرة في وحدة صف العرب، ولملمة الشتات، الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، رحمة الله، في وقت عصيب جداً تمر به منطقتنا العربية من اضطرابات واختلافات ونزاعات وفتن. تعصف بأمنها واستقرارها. تمزق أواصل وحدتها. وروابط عروبتها.

لقد عرف الراحل بأدواره السياسية المتميزة واهتمامه بشعبه، وقيادته القائمة على العدل والمساواة والعدالة الاجتماعية، ولن تنسى الأمة العربية مواقفه المشرفة وما قدم من أدوار تجاه العرب، وخاصة بعد مرحلة ما يسمى «الربيع العربي» و«الفوضى الخلاقة» التي انتشرت في بلدان التغيير، مثل مصر واليمن وسوريا وليبيا، وأدواره المعتدلة المشرفة تجاه تلك الدول في الأزمات والمحن.

لن يغفل المتتبع للأحداث التي مرت بها مصر في الفترة الأخيرة، مواقفه الفاعلة التي تخدم مصر على المدى الطويل والقصير، وعلى جميع المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، انطلاقاً من وعيه وإدراكه أن «مصر قلب الأمة العربية»، وان استقرارها مرهون باستقرار العرب، وبقاؤها قوية ومتماسكة شعباً وجيشاً هو بقاء وتماسك للأمة العربية جمعاء.

وللراحل الكبير... دور فعّال وبارز على الساحة الدولية، في مكافحة الإرهاب والتطرف الذي يسعى للنيل من العقيدة الإسلامية بـأفكار ضالة، تستهدف تشويه سماحتها وإثارة الفتنة بين المسلمين.

وقد حرص (طيب الله ثراه وأسكنه فسيح جناته) في الاستراتيجية الشاملة لمكافحة الإرهاب، على تبنى سياسة الفكر بالفكر، والسعي في سبيل ذلك إلى تسخير الجهود كافة لمواجهة الفكر الضال، وكشف حقيقته وأهدافه وحماية مواطنيه منه، كما أن إعلان المملكة العربية السعودية عن تجريم الانتماء «لحزب الله» داخل المملكة و«الإخوان المسلمين» و«جبهة النصرة» و«جماعة الحوثي» واعتبارهم جماعات إرهابية، أدى إلى قيام الدول الحاضنة والراعية لهذه الجماعات المتطرفة، لمراجعة أوراقها بخصوص تلك الجماعات.

إن الملك عبد الله، بحكمته وإنسانيته الفياضة كان مدركاً أن سلام العالم لا يقوم إلا على التقارب والتوافق الفكري، ولذلك كان من إنجازاته الجليلة، تأسيس مركز الملك عبد الله للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، كي يصبح حاضنة للمؤسسات الحوارية العالمية، وميداناً مفتوحاً للحوار الهادف الصادق للوصول إلى تحقيق الهدف الأسمى، وهو إدراك القيمة الحضارية المثلى للتنوع والعيش المشترك، على قاعدة الوئام والسلام والمحبة وحسن الجوار والأخّوة الإنسانية.

وذلك لتعزيز النهضة العلمية في المملكة وتطويرها، ولا سيما من خلال إطلاق الجامعات ومنها «جامعة الملك عبد الله للعلوم التقنية» على ساحل البحر الأحمر، التي أصبحت من المنارات الثقافية والعلمية البارزة في المنطقة.

لقد منحت «جائزة الشيخ زايد للكتاب»، والتي تأسست تقديراً لمكانة الراحل الكبير الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ودوره الرائد في التوحيد والتنمية وبناء الدولة والإنسان، إلى الملك عبد الله بن عبد العزيز، رحمه الله، جائزة شخصية العام للدورة الثامنة 2013- 2014، وذلك تقديراً لإسهاماته الثقافية والفكرية والإنسانية والعلمية الكبرى، ولبصمته الفريدة في الواقع العربي والإسلامي العالمي المعاصر، وجهوده الحثيثة في نشر روح التسامح والإخاء، التي امتدت إشعاعاتها في ظل قيادته الحكيمة، من السعودية الشقيقة إلى ربوع الأرض كافة، ولقد رأى القائمون على الجائزة.

بينما تتشرف الجائزة باقتران اسمها بالراحل الكبير المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، باني الإمارات وصانع مجدها ونهضتها، فإنها لتشمخ وتزداد ألقاً وتوهجاً بأن تضم إلى قائمة الحاصلين عليها، شخصية استثنائية بقامة الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، رحمه الله.

إن اختيار الراحل الكبير شخصية العام 2014 التي تمنحها «جائزة الشيخ زايد للكتاب»، هو اختيار مستحق، وتعبير صادق من دولة الإمارات حكومة وشعباً ومؤسسات ثقافية وإعلامية، تجاه إنجازات الملك عبد الله الإنسانية والثقافية، ودوره الحضاري في إشاعة ثقافة التسامح والاعتدال والحوار بين أتباع الديانات والثقافات، وتشجيعه على العلم والمعرفة.

إن الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز، رحمه الله، رسم الطريق للحوار مع أتباع الرسالات الإلهية والحضارات والثقافات، وحددها في «القيم المشتركة» التي دعت إليها الرسالات الإلهية، لما فيه خير الإنسان والحفاظ على كرامته، وتعزيز قيم الأخلاق، والتعاملات التي لا تستقيم مع الخداع، وتنبذ الخيانة، وتنفر من الجريمة، وتحارب الإرهاب، وتحتقر الكذب، وتؤسس «لمكارم الأخلاق والصدق والأمانة والعدل».

لقد عاش الفقيد الراحل حياته مهموماً بوطنه، ومشكلات وقضايا أمته العربية ووحدة صفها. رحل عنا «ملك الإنسانية والحكمة والخير والعطاء» تاركاً فينا حزناً عميقاً على فراغه الأبدي. اللهم تغمد روحه برحمتك واجعل مثواه الجنة، واجعل في خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز، خير خلف لخير سلف.

Email