ذات حنين

ت + ت - الحجم الطبيعي

امرأة في منتصف العمر أو أقل قليلاً. لا طويلة ولا قصيرة، ترتدي الجينز والقميص الأسود. على عينيها نظارة شبه سوداء.. تراها فتود لو تدعوها إلى فنجان قهوة على البحر أو على مقهى رصيف لكن.. تكتشف أنك أمام قضية شعب بل لب القضية، متشبثة بجذع برتقالة يافاوية، نسمة حيفاوية، صخرة عكاوية وضعها جدها أحمد باشا لتحمي البحر من المحتل ولتظل حيفا جارة البحر.

حنين الزعبي، أتذكرها اليوم حين وقفت ذات يوم أمام جمهور متعطش لرشفة من فلسطين التي يسمونها «تاريخية »، لكأن فلسطين خارج التاريخ ولا يدري الذين على عيونهم غشاوة وأيديهم مغلولة أن فلسطين سرة الكون وفيها سيرة الأنبياء والرسل.

وأنت تستمع إليها، تشعر أن كلماتها تنبش في ذاكرتك الجمعية، تلك التي حاولوا طمسها، مرة بالتهجير ومرة بالحرب وبالجدار العازل وبالممارسات العنصرية الفاشية ومرات بما يسمى زوراً.. السلام.

تحدثت «حنين» عن معاناة الفلسطينيين الذين بقوا في فلسطين وظلوا متشبثين بالبيوت والأرض التي لم يبق منها إلا القليل لهم وأصبحوا غرباء في دارهم التي غيّر المحتلّ معالمها وتاريخها واسمها بتواطؤ من العالم الذي أراد أن يتخلص من شايلوك وايستر وسالومي.

تحدثت بالأرقام لا بالأوهام وبالعقل لا بالقول، أكدت: "نحنا مش طالعين من بلادنا وايش ما يعملوا يعملوا.. نحن اصحاب الارض والحق". لكأن محمود درويش الذي كان يصرخ: عابرون في كلام عابر.هي من جيل ما بعد بعد جيل اللجوء في العام 1948 ولو كان ثمة وعي في تلك السنة لما كان هروب ولما كان لجوء. إنها تحفظ التاريخ كما تحفظ قدمها الطريق الى الارض وتلتصق بها بل تتجذر.

حديثها ليس منزوعاً من صبّار نما في البرية بل من ثقافة واعية بالعالم من حول فلسطين وما وراء البحر. لكأنها كانت تقطع الشوك الذي انغرس في ذاكرتنا وعشش في وجداننا الوطني وكدنا ننسى فلسطين 48 ونتجاهل أن القضية هناك في الاصل وليس في 1967 تلك التي تشكلت إثر هزيمة فأصبحت جغرافيا سياسية نعول عليها.

في كتابه «مكان تحت الشمس» يقول نتنياهو: في عام 1894، بلور هرتسل، أبو الصهيونية ، خطة محددة، عبر سلسلة إجراءات عملية لإقامة دولة يهودية في أرض إسرائيل، تكون شاطئ أمان، وبيتاً لملايين اليهود المقيمين في أوروبا، ولذلك سعى إلى الحصول على تأييد الدول العظمى ودعمها للاستيطان اليهودي في أرض إسرائيل. ويقول في مكان آخر من كتابه: "

كان التأييد للفكرة الصهيونية، مند البداية من غير اليهود، أكبر بكثير منه في الأوساط اليهودية، فقد تمكن هرتسل، على سبيل المثال، من مقابلة قيصر ألمانيا فيلهلم الثاني، الأمر الذي لم يكن سهلاً تحقيقه بالنسبة لصحفي يهودي أنذاك، ولم يكن سرّ تأثير هرتسل يكمن في شخصيته وميزاته الخاصة فحسب، إنما في حقيقة كونه أول يهودي يكتشف فن السياسة، واستغلال المصالح المشتركة على الصعيد السياسي...

وقد وصف هرتسل الحركة الصهيونية للقيصر الألماني، على أنها مشروع من شأنه اجتذاب قسم من المتطرفين الشباب في ألمانيا، وسيفتح أمام القيصر الطريق إلى الهند، ولذلك طلب هرتسل الرعاية الألمانية للحركة الصهيونية، على افتراض أن ألمانيا ستجني ربحاً سياسياً، غير أن القيصر كان معنياً بتخليص مملكته من بعض المرابين اليهود"..

هذا ما يقوله نتنياهو ، كاشفاً خلفية الصهيونية ومشروعها ، ويقول ايضا: "كما نجح هرتسل في مقابلة السلطان التركي في القسطنطينية في أيار من عام 1901 ، وفي حديث مع السلطان، ذكر هرتسل ما حدث لاندروكلوس، الذي اقتلع الشوكة من كف الأسد، وقال للحاكم التركي، المفلس:

«جلالتك، هو الأسد، وربما أكون أنا الأندروكلوس وربما توجد شوكة يجب إخراجها، والشوكة حسبما أراه أنا، هي الديّن الوطني على جلالتكم» وعليه اقترح هرتسل اقتلاع هذه الشوكة بوساطة أرباب المال اليهود". المشروع الصهيوني ينفذ على مراحل وما نشهده الآن من تفتيت للدول المحيطة باسرائيل وإضعاف الدول العربية غير المحيطة بها جغرافياً ما هو الا مرحلة متقدمة من المشروع..

ليت القوم يعلمون، ليتهم يعون أن الذئب سيأكل الجميع منذ أكل الثور الأبيض وها هو ينهش دولهم بمخالب داعش مرة وبأسنان بعضهم مرة و... بجرافة المشروع الصهيوني كل مرة!

 

Email