الشارقة العاصمة الإنسانية بعد الثقافية

ت + ت - الحجم الطبيعي

في خضم النجاحات العديدة التي تسجلها دولتنا الحبيبة في مجالات السياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية وبناء الإنسان والقدرات الوطنية، تبرز نقطة مضيئة وفارقة في سماء هذا الوطن الغالي تزين جيد الإمارات بقصة نجاح فريدة من نوع مختلف ألا وهي مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية التي نحتفل معها هذه الأيام، وبرعاية كريمة من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الرئيس الفخري للمدينة، باليوبيل الفضي لمخيم الأمل الخامس والعشرين تحت عنوان «لتعارفوا».

وهو حدث سنوي تنظمه المدينة للأشخاص من ذوي الإعاقة منذ يناير 1986 وتشارك فيه وفود من دول الخليج العربية كافة ووفد من دولة عربية يتم اختيارها كل سنة، إضافة إلى مشاركة بعض الوفود الأجنبية الصديقة، ومنها وفود من مملكتي النرويج وإسبانيا والولايات المتحدة الأميركية، وفي هذه السنة وانسجاماً مع احتفالات الشارقة عاصمة الثقافة الإسلامية يتم استضافة وفدين من دولتين إسلاميتين هما قرغيزستان وماليزيا.

والحقيقة أنه إذا كان المخيم قصة نجاح للمدينة تروى بمداد من ذهب، فإن مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية هي في حد ذاتها قصة نجاح متميزة لإمارة الشارقة المتميزة ولدولة الإمارات العربية ككل، بل ويتعدى الفخر بها حدود الدولة إلى دول الخليج الواحد والعالمين العربي والإسلامي.

ولعل الواجب هنا يقتضي أن ننسب الفضل لأهله، ذلك أن القيادة الإنسانية الرائدة لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الرئيس الفخري للمدينة وراعي مسيرة تطورها وازدهارها، والدعم المتواصل بلا حدود من لدن سموه لهذا المشروع الإنساني العامر، كان لهما الأثر الكبير بفضل الله في نجاح تجربة مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية واستمراريتها.

وكان سموه في ذلك كله كعادته دائماً حفظه الله نِعم الحاكم البار برعيته الساهر على مصالحها المؤتمن على أجيالها.

أما قرينة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، رئيسة المجلس الأعلى لشؤون الأسرة فقد كانت خير شريك لسموه في إنبات هذه الغرسة الإنسانية المباركة، حيث لم تكتف بكونها صاحبة فكرة إنشاء مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية، وإنما أشرفت بشكل شخصي ومباشر على عملية تأسيس المدينة، وتطويرها.

وتستحق جهود مديرة مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية الشيخة جميلة بنت محمد القاسمي الكثير من التقدير فهي التي تدير العمل اليومي وتترأس طاقم العمل للإشراف والعناية والرعاية لأكثر من 3000 طفل يستفيدون حالياً من خدمات المدينة الإنسانية.

والناظر لهذه الخدمات يفاجئه ليس فقط حجمها، وإنما تنوعها وتطورها وشمولها لمختلف احتياجات وفئات الإعاقة المختلفة، حيث نجد أنه ومنذ تأسيسها قبل 35 عاماً، أصبحت مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية صانعة اتجاهات trend sitter فنظراً لكونها أول مؤسسة متكاملة من نوعها في الدولة ودول التعاون.

فقد غدت المدينة المرجع في مستويات الخدمة ونوعيتها وشمولها، والمعيار الذي تتوقع الحكومات من مؤسساتها المماثلة أن تحتذي به، خاصة وأن أبرز نقاط تميز المدينة تمثلت في شمول خدماتها لمختلف أشكال الإعاقة، وليس اقتصارها على نوع واحد فقط.

وقد سعت مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية على مدى العقود الماضية إلى توفير التعليم والتدريب للمواطنين والمقيمين من ذوي الاحتياجات الخاصة في الشارقة، حيث إنها تخدم اليوم أكثر من ثلاثة آلاف شخص سنوياً من ذوي الاحتياجات الخاصة من مختلف الجنسيات والفئات العمرية.

كما تضم المدينة أيضاً مؤسسة للتمكين الاجتماعي تعمل تحت مظلتها توفير الرعاية والتعليم للأيتام الذين يعيشون مع عائلاتهم.

لكن التميز لا يتوقف عند العدد فقط، وإنما يتجاوزه إلى طبيعة الخدمات المقدمة، حيث تقدم المدينة الخدمات التعليمية والتدريبية والتأهيلية والعلاجية وخدمات التوعية والتثقيف وخدمات التواصل الاجتماعي والإرشاد الأسري والتثقيف بقضايا الإعاقة إضافة إلى خدمات التشغيل والمتابعة للأشخاص من ذوي الإعاقة الذين تم تأهيلهم وتكوينهم. وتضيف المؤسسة إلى ذلك كله.

وإذا ما تجاوزنا ذلك إلى مناسبة حديثنا اليوم ألا وهي مخيم الأمل الخامس والعشرون، فإننا نجد أن فكرة المخيم تتسق تماماً مع منهاج الشارقة وسياسة الإمارات في التكامل الخليجي والعربي والإنساني، حيث جاءت فكرة المخيم منذ العام 1986 لتمكين المعاقين المواطنين والخليجيين والعرب من إبراز طاقاتهم الكامنة واكتساب خبرات جديدة مفيدة والإسهام في نشر الوعي ورفع مستوى الاهتمام بقضايا المعاقين والمطالبة بتعليمهم وتعزيز فكرة حمايتهم وضمان أمنهم وسلامتهم التي لا يمكن تحقيقها إلا بتنامي الوعي بقضاياهم وزيادة الاهتمام لدى مختلف فئات المجتمع.

ولعل أبرز مؤشرات النجاح المتواصل لهذا المخيم، قيام دول الخليج الشقيقة على الانتظام في المشاركة فيه كل دون انقطاع، وإن قصة نجاح مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية تروي باختصار نجاح الشارقة والإمارات في مجال لها القصب المعلى فيه ألا وهو مجال الاستثمار في الخير، وهذا ليس بغريب لا على هذه الدولة ولا على شيوخها الكرام ولا على شعبها الطيب.

وبعد فيا صاحب السمو حاكم الشارقة شكر الله لك هذا الإنجاز الخلاق لرعاية فئة من أبنائك من الذين امتحنهم الله بإعاقة أو أخرى، ولكنه عوضهم مع ذلك بسلطان الخير يقوم على رفادتهم ورعايتهم خير رفادة وأكمل رعاية، لا يبتغي في ذلك إلا وجه الله تعالى. ونسأل الله أن يجعلها في ميزان حسناتك ويجزيك عنهم خير الجزاء.

 

Email