قبل أن يقال لنا إن «داعش» جماعة معتدلة

ت + ت - الحجم الطبيعي

ليس عن طريق الخطأ، بل عامدين متعمدين، يذهب «الأشاوس» وهم يحملون ما يزعمون أنها رايات الجهاد. لا يضيعون الوقت، بل يبدأون على الفور في المهمة التي جاءوا من أجلها. بعد دقائق تكون أمامهم أكثر من 140 جثة معظمها من الأطفال، يعلنون بفخر شديد أنهم جاءوا لذبح الأطفال، يبررون الجريمة الخطيرة بأن لهم ثأراً مع آبائهم.

وسط بحر الدماء وهول الفاجعة يثور السؤال: أي بشر هؤلاء؟ وكيف وصلوا لهذا الدرجة من الانحطاط؟ ومن أين جاءوا بهذا الجنون وهم يتحدثون عن أكثر الرسالات السماوية انحيازاً للعدل والرحمة والإنسانية؟!

تعود بي الذاكرة إلى بداية عملي الصحافي، إذ جاءتنا أنباء الكشف عن مؤامرة الإخوان للاستيلاء على الحكم عام 1965. استعدينا لتغطية الحدث، قرأت كتاب «معالم في الطريق» والتحقيقات الأولية. لم أفاجأ بعودة «الإخوان» للتآمر بعد عام واحد من الإفراج عنهم، بعد جريمتهم السابقة بمحاولة اغتيال عبد الناصر قبل عشر سنوات.

المفاجأة كانت في بشاعة التطرف الذي جاء به سيد قطب في كتابه «معالم في الطريق»، الذي اتخذه المتآمرون دليلاً لهم، ثم في هول الخروج ليس فقط على الدين، بل على إنسانية البشر في ما خطط له هذا الفريق الإخواني.

مفهوم منهم أن يعادوا الحكم ويتآمروا ضده، حتى لو كان ذلك لا يخدم إلا مصالح الأعداء.. فهذا ما يفعلونه منذ ظهرت «الجماعة» إلى الوجود، ولكن الصادم بالنسبة لنا يومها كان مقدار العداء للمواطنين العاديين، ومدى التصميم على الإضرار بهم.. فهم كفار كما رأى الفكر المهووس لسيد قطب.

ومع هذا فهل يعامل الإسلام الكفار بهذه الطريقة غير الإنسانية أم يدعوهم بالحسنى كما أمر الله ورسوله الكريم؟! كان الصادم في كتاب سيد قطب وتعليماته، وفي ما كشفت عنه التحقيقات يومها، هو هذا الجنون الذي يجرد هؤلاء الأتباع من العقل ومن الإنسانية معاً.. فما دخل الخلاف مع الحاكم أياً كان، بنسف الجسور وتدمير محطات الكهرباء والمياه والصرف الصحي ونشر الخراب في كل أنحاء البلاد؟!

وكالعادة.. سارع «الإخوان» بإنكار صلتهم بالجريمة، وسمعنا منهم أن سيد قطب خارج على الجماعة، وأن أتباعه لا صلة لهم بالإخوان. واستمر ذلك الإنكار لسنوات طويلة حتى بعد عودتهم للنشاط أيام السادات وبالاتفاق معه (!).. وعندما «عادت ريمه لعادتها القديمة» كما يقولون، عادت معها الحقائق لتفرض نفسها.

اكتشفنا أن سيد قطب نفسه عندما أيقن أن لحظة تنفيذ حكم الإعدام قد حانت، لم يبد الندم على ما فعل، ولم يستنكر ما أدى إليه فكره التكفيري.. بل كان أسفه الوحيد أن أتباعه لم ينفذوا أوامره التي أصدرها، عندها أدرك أن السلطات قد كشفت المؤامرة الإخوانية، وأنهم لم يقوموا بأعمال التخريب التي حددها لهم.

كان فكره المجنون يقوده إلى الهذيان وهو في طريقه للنهاية، بأن أتباعه هم المسؤولون عن «الهزيمة»، وأنهم لو نسفوا القناطر الخيرية والكباري والجسور كما أمرهم، لتم إغراق منطقة الدلتا بكاملها وراح عشرات الآلاف ضحية ذلك، وانشغلت الدولة بمواجهة الكارثة، وأتيحت الفرصة لـ«الإخوان» لكي يستغلوا الموقف ويستولوا على السلطة.. ولو على جماجم المصريين!

على مدى خمسين عاماً بعد ذلك، كانت الحقيقة الأساسية تتضح، وهي أن طريق الخوارج الجدد بدأ مع «الإخوان» منذ نشأوا، وأن سيد قطب كان امتداداً لحسن البنا وليس نقيضاً له، وهكذا انتهى الأمر ومرشد الإخوان في مصر (في العام الأسود الذي سقطت فيه المحروسة تحت حكمهم).

يعلن على الملأ أنه «قطبي»، وأن رفاقه في مكتب الإرشاد «قطبيون»، وأن على مصر (والعالم العربي بعد ذلك) أن تستعد للاستسلام لهذا الفكر المنحرف ولهذا التنظيم الذي يريد إعادة العرب والمسلمين إلى ظلام العصور الوسطى..

ليستمتعوا بديمقراطية طالبان، وتقدم الصومال على أيدي «المجاهدين»، ونهضة المسلمين على أيدي الخوارج الذين يرفعون أعلام «داعش» وأخواتها، ويعتبرون ذبح الأبرياء «فريضة!» يتباهون بها أمام الكاميرات وهم يلعبون الكرة برؤوس الضحايا في العراق، أو يقتحمون مدارس الأطفال في باكستان معتبرين قتل الأطفال الأبرياء جهاداً في سبيل الله!

ورغم ذلك رأينا العجب من تصرفات أطراف دولية وإقليمية، فالحرب ضد الإرهاب هي ضد «داعش» في العراق أساساً، وفي سوريا عند الحاجةَ! أما باقي تنظيمات الإرهاب فلها أن تعيث في الأرض العربية والدول الإسلامية فساداً (!).. ليس لأنها «معتدلة» كما يزعمون، بل لأنها تؤدي الدور المرسوم لها في تشويه الإسلام والإضرار بالمسلمين وخدمة أعدائهم!

أليس غريباً أن تنخرط واشنطن في محادثات طويلة مع «طالبان» لكي تضمن خروج جنودها من أفغانستان، بينما تترك أطفال أفغانستان وباكستان وغيرهما رهن الذبح على أيدي الرفاق القدامى والجدد رجال «طالبان»؟! وأليس غريباً أن يقول الغرب إنه سيقاتل «داعش» حتى النهاية في العراق وسوريا، بينما «الدواعش» من كل لون وبكل الأشكال يستبيحون دولاً مثل ليبيا واليمن.

ويحولونها إلى ساحات للحروب الطائفية والصراعات المذهبية التي تسفك فيها دماء العرب والمسلمين بلا ثمن؟! وأليس غريباً أن يكون المخطط الذي رعته واشنطن، هو أن يقع العالم العربي كله تحت حكم القتلة من أشباه «طالبان» و«داعش» و«الإخوان».

. لولا عناية الله التي أنقذت مصر وأسقطت هذا المخطط، ومع ذلك فما زال الدعم الخارجي ينهال على عصابات الإرهاب لضرب استقرار مصر ونشر الدمار فيها، وما زالت واشنطن لا ترى في «الإخوان» الذين يتزعمون هذا الإرهاب، إلا حليفاً فشل ولكنه ما زال يمثل رصيداً في التآمر ضد مصر والعرب والمسلمين.

حربنا ضد الإرهاب لا بد أن تكون شاملة لكل الأرض العربية.

Email