جدتنا الزيتونة..

ت + ت - الحجم الطبيعي

هي زيتونة، مجرد شجرة، لا شرقية ولا غربية، لكنها تختصر القضية التي تبقى خضراء من غير اصفرار ولا ذبول. تشرب من ماء المطر، لا تمد عطشها لأحد، إن سقاها كان به..

وإن لم يسقها فلا ضرار ولا عطش. تمد جذورها في العمق وإن صادفها حجر لا تضجر، تلوي أيديها خلفه أو تقفز فوقه وتواصل المسير. بقدر ما تتعمق تعلو فوق. تمد أغصانها غير آبهة بالريح. ترتدي أوراقاً على قدها، لا كبيرة ولا صغيرة لكنها صلبة مدببة تقيها شر العواصف والعواطف المزيفة.

هي زيتونة، زيتها يضيء ولحمها شهي، فيه عرق مرار مثل ذاك الذي في القهوة. تُنقع في الماء والملح وشرائح الليمون. مواجهة المر تحتاج إلى ما هو أقوى، تماماً كما مواجهة المحتل تحتاج إلى ما هو أكثر إصراراً على الحياة في أرضه المحتلة. في فلسطين، الزيتون سلاح وطعام وفيء وضوء وأوتاد تثبت الأرض في مكانها. العدو يدرك ذلك، ولذلك أعلن الحرب عليها منذ احتلاله فلسطين.

فقد تسببت اعتداءات المستوطنين المتكررة بقطع وحرق عشرات الآلاف من أشجار الزيتون المعمرة، وكان أفظعها قيام قوات الاحتلال وجرافاته بقطع أكثر من 3 آلاف شجرة زيتون معمرة في الضفة الغربية والقدس المحتلة عام 1986..

وكان معدل متوسط أعمار تلك الأشجار مئتي عام. وأكد تقرير لمنظمة «ييش دين» اليهودية أن 96% من الشكاوى التي تقدم بها فلسطينيون حول اعتداءات المستوطنين على أشجار الزيتون بين أعوام 2005-2014 لم يتم التعامل معها بجدية وأغلقت دون بذل جهود للوصول إلى الجناة.

وقالت المنظمة إنها تابعت منذ عام 2005 (246) جريمة اعتداء وتخريب وقطع وحرق أشجار زيتون تابعة لمزارعين فلسطينيين، 4 ملفات من بينها فقط أفضت إلى تقديم لوائح اتهام، في حين أغلقت باقي الملفات بادعاء: عدم وجود أدلة كافية أو أن «الجاني مجهول».

وأضافت أن النتيجة تعني أنه بكل ما يتعلق بالاعتداء على أشجار وممتلكات الفلسطينيين فإن قدرة شرطة لواء «شاي» (الضفة الغربية) على الوصول إلى الجناة وتقديمهم للقضاء غير قائمة.

في الواقع إن كل يهودي إسرائيلي على أرض فلسطين جانٍ، وليس فقط من يعتدي على ممتلكات الفلسطينيين ويقتلع أو يحرق أشجار الزيتون. وعلى هذا الأساس قام أصلاً المشروع الصهيوني، إنه إحلال لا احتلال فقط. إحلال بقايا شعب لا يجمع بينهم إلا عامل الدين، محل شعب يجمع بين أفراده اللغة والتاريخ والعادات والتقاليد ولا يفرقهم الدين الإسلامي أو المسيحي أو حتى اليهودي.

فما تزال طائفة ناتوري كارتا تعيش قرب نابلس دون أن تعترف بـ«إسرائيل» كدولة، بل تعتبر إنشاءها معصية ومخالفة للدين اليهودي. وكان يوري أفنيري عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني. الزيتون رمز السلام. ومانزال نذكر قول عرفات في خطابه للمرة الأولى أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، 13 تشرين الثاني 1974:

«جئتكم يا سيادة الرئيس.. ببندقية الثائر في يدي، وبغصن الزيتون في يدي الأخرى، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي، لا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي، لا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي.. الحرب تندلع من فلسطين والسلم يبدأ من فلسطين». لكن الإسرائيليين مصرون على التقدم إلى هاوية المشروع الصهيوني وعقلية القلعة والفصل العنصري ونموذج «الجيتو».

فيما حفظ الفلسطينيون الدرس وانزرعوا في أرض أجدادهم. لا يهابون العدو ولا يأبهون بمن استسلم منهم وصدّق أن إسرائيل تريد السلام. آخر شهداء الأرض والزيتون كان زياد أبوعين الأسير المحرر المناضل رئيس مقاومة الجدار العنصري وملف الاستيطان الذي قتله جنود الاحتلال بدم عنصري فاشي حاقد خنقاً وضرباً بأعقاب البنادق والخوذ الحربية.

لم يكن زياد يحمل سلاحاً سوى إيمانه بقضيته وإصرار شعبه على غرس زيتونة مكان كل زيتونة يذبحها الاحتلال. لقد ارتكبت إسرائيل جريمة اغتيال أبوعين فيما عيون العالم تتفتح على قضية الشعب الفلسطيني وتشير بإصبع الاتهام لإسرائيل التي تريد دولة يهودية خالصة دون أن تعترف بدولة للشعب الفلسطيني. وها هي دول أوروبا التي عانت من عقدة الهولوكست، تعترف تباعاً بحق الفلسطينيين في إقامة دولة مستقلة.

زياد أبوعين ذهب ليسقي الزيتون المقاوم الرمز الباقي إلى الأبد ماءً، فسقاه روحه ودمه!

 

Email