انخفاض أسعار النفط نعمة لا نقمة

ت + ت - الحجم الطبيعي

تمرّ أسواق البورصة العالمية في مرحلة عصيبة، مما قد يؤثر سلباً في ثقة المستثمرين.

يلقي المحللون اللوم بشكل أساسي على تراجع أسعار النفط التي بلغت أدنى مستوياتها منذ خمس سنوات، مع 62 دولاراً أميركياً للبرميل الواحد، بسبب وفرة العرض في السوق المقرونة بانخفاض الطلب من البلدان التي تشهد تراجعاً في النمو.

هذا الهبوط في الأسواق مردّه إلى التفكير الخاطئ، فعلى النقيض تماماً، أسعار النفط المرتفعة هي التي تستدعي الحذر، لأنها تتسبّب بالتضخم، كما حصل في الماضي.

الحقيقة هي أن انخفاض أسعار النفط يعود بفائدة مطلقة على البشرية، لكن لسوء الحظ، يقع المستثمرون ضحية التحذيرات من المحللين الذين يلجؤون إلى التهويل وإثارة الذعر، إذ يتحدّثون من منظور أكاديمي محض، ويتعاملون بسلبية مع خبر يُفترَض أنه سارّ.

أنصح بالتوقّف عن الإصغاء إلى مثيري الشؤم والهلاك، الذين يقفون خلف التقلبات الحالية بسبب تحذيراتهم غير المدروسة، والاعتماد بدلاً من ذلك على الحسّ السليم.

انخفاض أسعار النفط مناسب تماماً للمصنّعين (لا سيما من يستخدمون منتجات مرتبطة بالنفط)، والعاملين في قطاع الاستيراد والتصدير، وشركات الطيران، والنقل البحري والبري، وبالطبع السيّاح الذين يستفيدون من انخفاض كلفة النقل الجوي، فضلاً عن كل من يملك سيّارة.

في بلدان كثيرة، منها الولايات المتحدة، تسجّل أسعار المحروقات تراجعاً، ما يعود بالفائدة على الشركات والأعمال الصغيرة ومالكي المنازل الذين سيحصلون على التيار الكهربائي بكلفة أقل، وبالتالي سيتمكّن المستهلكون من اقتطاع شريحة أكبر من دخلهم لإنفاقها على أمور أخرى، ما يغذّي بدوره الاقتصاد ويساهم في زيادة فرص العمل.

علاوةً على ذلك، يساعد انخفاض أسعار النفط على كبح التضخم، واستطراداً أسعار الفوائد، الأمر الذي يُعتبَر مناسباً للأعمال والدائنين العاديين ومالكي الرهون العقارية.

صحيح أن الدول غير المنتجة للنفط ستكون من الرابحين في المدى القصير، لكن من المؤكّد أن البلدان المنتجة للنفط في الخليج العربي ستتمكّن من تجاوز هذه المحنة المؤقتة.

فـ«الاحتياطيات المالية الهائلة التي تكونت لدى السعودية والإمارات العربية المتحدة في الأعوام الأخيرة، ستتيح لهما بسهولة المحافظة على الارتفاع في نسبة الإنفاق»، كما أوردت إحدى الصحف الاقتصادية

. ببساطة، لا داعي على الإطلاق لإثارة الهلع. بفضل التراجع في أسعار النفط، بدأت اقتصادات بعض البلدان التي لم تكن بحالة جيدة، تسلك طريق المعافاة.

لنأخذ تركيا على سبيل المثال، يقول مسؤول في مجموعة «بي إن بي باريباس إنفستمنت بارتنرز»، إن ما يجري هو «أفضل ما يمكن أن يحدث لتركيا. فكل انخفاض بمعدل عشرة دولارات في سعر النفط، يساهم في تحسين عجز الحساب الجاري بواقع 4.5 مليارات دولار».

لقد حقّق انخفاض أسعار واردات النفط الخام فائدة كبيرة للاقتصادات الآسيوية، مع اغتنام ثلاث دول آسيوية على الأقل الفرصة لوقف الدعم الحكومي للبنزين والمازوت، والذي كان يلقي بعبء شديد على موازناتها. عندما تبدأ الاقتصادات المتعثرة باستعادة عافيتها، سيزداد الطلب العالمي على النفط فترتفع الأسعار من جديد.

يجب ألا ننسى أننا أصبحنا نعيش اليوم في قرية كونية واحدة؛ عندما يعطس أحدٌ في مكانٍ ما، يصاب الجميع بالزكام. فإذا ساعد انخفاض أسعار النفط بعض الاقتصادات المتعثّرة على النهوض من جديد، فسوف يعود ذلك بالفائدة على العالم كله في المدى الطويل.

لهذه المسألة أيضاً جانبٌ أخلاقي/ إنساني. تزداد البلدان الفقيرة فقراً، حتى في منطقة الشرق الأوسط، بسبب ارتفاع أسعار الطاقة.

فكلما ازدادت أسعار النفط، ارتفعت الديون، ما يؤثّر في الأشخاص العاديين الذين يعانون من الانقطاع المستمر في التيار الكهربائي، تستحق تلك الدول التقاط الأنفاس! على المستثمرين في الخليج ألا يصغوا إلى المشاعر السلبية، فهذه المنطقة واحدة من أكثر المناطق ثراء في العالم.

إنها تتمتّع بالاستقرار السياسي، ويمسك قادتنا جيداً وبقوة بمقاليد الدفة، فهم يجيدون قيادتنا عبر الأمواج العاتية، لا سيما بعدما تعلّموا دروساً من الأزمة المالية العالمية التي واجهت العالم منتصف عام 2008، والتي لم يكن لنا أي ذنب فيها.

يحسب للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، أنها قد وقفت وبحزم في وجه الدول الأعضاء في أوبيك التي كانت حريصة على تقليل إنتاج النفط من أجل إحداث زيادة في الأسعار، استجابة لضغوط سياسية أو اقتصادية.

قادة الخليج يدرسون وبعناية ما آل إليه هذا الوضع من كافة جوانبه، ويزنون إيجابياته وسلبياته على المدى البعيد، لهذا تتمتع منطقتنا بالنجاح الاقتصادي الهائل.

لا تزال نتائج شركاتنا إيجابية، سواء كانت حكومية أم خاصة أم عائلية. وفي الأعوام الأخيرة، يزداد اقتصادنا قوة. بنيتنا التحتية لا مثيل لها، والدخل الفردي من الأعلى في العالم. ولا بد من الإشارة إلى أنه حتى لو تراجعت أسعار الأسهم، فستستمر أعمالنا التجارية كالمعتاد.

لا تتأثّر الشركات بخسائر الأسواق وأرباحها، فهذه مجرد تقلّبات عادية تستند إلى معاملات بين الباعة والشارين، بهدف تحقيق الأرباح عادةً، والانخفاض لا بد أن يعقبه صعود.

علاوةً على ذلك، غالباً ما يجني المساهمون حصصاً أكبر من الأرباح عندما تنخفض أسعار الأسهم، لأن الشركات تعمد عادةً إلى توزيع نسب أعلى من الأرباح، وتعيد شراء الأسهم كي يحافظ المستثمرون على اهتمامهم.

كتب ستيفن مور، مدير دراسات السياسة المالية سابقاً في معهد «كاتو» وكبير الاقتصاديين حالياً في «مؤسسة هريتادج»: «بعض الأشخاص غير قادرين جينياً على تقبّل الأنباء السارّة. في الأسابيع الأخيرة، انهالت علينا وسائل الإعلام بالأخبار عن الأزمة الأخيرة في أميركا: انخفاض أسعار النفط... بالأمس، حذّر المتشائمون من أن ارتفاع أسعار النفط يُنذر بانهيار اقتصادي.

والآن بات انخفاض الأسعار هو المشكلة... انخفاض أسعار النفط يعني ازدهاراً أكبر». كتب مور هذه الكلمات في مارس 1999، وقد أثبت التاريخ أنه على حق. أليس الماضي مؤشراً قوياً ينبئ بالمستقبل؟ لذا يجب الثبات، ليست سُحب العاصفة المتلبّدة في الأفق سوى أوهام في عقولنا.

Email