استوصوا بالمعلمين خيراً

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا أعرف عدد المرات التي ناقش فيها المجلس الوطني الاتحادي سياسة التعليم وأوضاع المعلمين في الدولة، لكنني أكاد أجزم أن موضوع التعليم بند دائم على جدول أعمال كل دورات المجلس، ومحل اهتمام جميع أعضائه، مهما تغيرت الوجوه وتعاقبت الدورات.

آخر الجلسات التي ناقش المجلس فيها موضوع سياسة وزارة التربية والتعليم وأوضاع المعلمين، كانت الأسبوع الماضي، بحضور وزير التربية والتعليم، الذي كشف عن مقترح تم رفعه إلى مجلس الوزراء بشأن رواتب المعلمين.

مؤكداً أن يرتبط الراتب بعدد الساعات التي يقوم المعلم بتدريسها ومهاراته، وهو نظام لا نعرف كيف سيطبق، لكنه سيُحدِث كما يبدو تفاوتاً بين رواتب المعلمين، لا نعلم كيف ستقوم الوزارة بتبريره، ولا كيف ستقنع العاملين في الميدان التربوي بتقبله.

وزير التربية والتعليم قال أيضاً إنه سيتم خلال العام الدراسي الحالي استكمال ترقية بقية المدرسين، وأضاف أن عملية الترقية تتم كلما حدث فائض في الميزانية، وسيتم إنشاء لجنة خاصة للنظر في الترقيات، والتنسيق مع هيئة الموارد البشرية للتأكد من وجود الترقيات في الوقت المناسب، ووجود وفر مالي.

كلام يحمل في جانب منه أخباراً طيبة للمعلمين الذين لم تتم ترقيتهم خلال الفترة الماضية، لكنه يحمل في الجانب الآخر مؤشرات غير مطمئنة، كون عملية الترقية هذه مرتبطة بوجود فائض في الميزانية، الأمر الذي يعني أن هذه الترقيات غير مرصودة لها مبالغ مالية في الميزانية، وإنما هي متروكة لتوفر الفائض من عدمه، مما يجعلها غير منتظمة ولا مضمونة في كل الأحوال.

لهذا جاءت مداخلة عضو المجلس الوطني الاتحادي الدكتورة منى البحر متسقة مع هذه المخاوف، عندما قالت إنه منذ سنة ونصف، وخلال الخلوة الوزارية، دار حديث عن كادر جديد للمدرسين، وإلى الآن لم يحصل شيء، لذلك أصبحت مهنة التعليم بيئة طاردة، فعدد الذكور في كلية التربية صفر، وعدد الإناث انخفض إلى 600 طالبة بعد أن كان 5 آلاف.

وقالت: لا أعرف كيف تخرج كليات التقنية معلمين، وهناك تذمر من الوضع المادي والمعنوي والإداري للمعلمين.

مداخلات وأسئلة أعضاء المجلس لم تخرج عن طرح الساحة التربوية والتعليمية، فانصب أغلبها على ضعف احترام المعلم من قبل الطلبة، وخطة الوزارة لتعزيز مكانة المعلم، مؤكدين أنه توجد إشكالية في الوضعية الاجتماعية للمدرسين، وتساءلوا عن وجود برامج إعداد للمعلمين المهنيين.

وعما إذا كانت هناك دورات تُعقد للمدرسين في المدارس الخاصة، وتحدثوا عن ضرورة تعزيز الهوية الوطنية، وطالبوا بمكافأة الذين يدرسون في كليات التربية لاستقطاب الكوادر المواطنة، وطرحوا إمكانية إلزام المدارس الخاصة بنسبة من المدرسين المواطنين.

ردود الوزير على مداخلات وأسئلة الأعضاء جاء بعضها دبلوماسياً، وصب أغلبها في خانة الخطط المستقبلية لتلافي السلبيات وتعزيز الإيجابيات وتطوير الأداء، فقال إن الوزارة ستسعى إلى الإعلاء من شأن المعلم في المجتمع، وأن هناك توجهاً لتخصيص يوم وطني خاص بالمعلم سنوياً.

وذكر أن الخطة الاستراتيجية الجديدة للوزارة تقوم على تخفيف الأعباء الإدارية عن المعلمين، وتنظيم سلم الرواتب والمزايا والمكافآت، بالإضافة إلى إصدار لائحة سلوكية جديدة للطلبة، تمكن المعلمين من إدارة الصفوف بشكل مثالي.

لا يستطيع أحد أن ينكر أن العملية التعليمية في دولة الإمارات شهدت خلال السنوات الأخيرة خطوات عدة تحت بند التطوير، ولأن التعليم لا يخضع للاجتهادات الشخصية لارتباطه بتنشئة الأجيال وإعدادها للمستقبل، فإن تطوير هذه العملية يجب أن يكون وفق قواعد ترتكز على نظريات حديثة وتجارب عالمية ناجحة، وهو ما نعتقد أن أي وزارة تربية وتعليم يجب أن تسعى إليه وتعمل على تحقيقه.

ولأن المعلم هو صلب العملية التعليمية والعامل الأهم في نجاحها، فإن الاهتمام بهذا المعلم، وتوفير المناخ السليم الذي يعمل فيه، من أولى المتطلبات لأي عملية تطوير أو تحسين في مسار العملية التعليمية.

ولعل وزير التربية والتعليم وضع يده على نقطة مهمة، حين تحدث عن الإشكالية الكبيرة التي يعاني منها العالم أجمع، وليس دولة الإمارات فقط، وهي الانخفاض الكبير في نسبة المعلمين المؤهلين للتدريس في الحلقتين الثانية والثالثة مقارنة بالحلقة الأولى، ولفت إلى صعوبة إيجاد مواطنين مؤهلين للتدريس في هذه المراحل التعليمية، وأيضاً عند البحث عن كفاءات خارجية من مختلف دول العالم للتدريس في هذه المراحل.

لذلك فإن سعي الوزارة لخلق قاعدة وطنية من المعلمين، يتم الاعتماد عليهم، ووضع استراتيجية لاستقطاب المعلمين المواطنين، وإتاحة الفرصة لهم للترقي في وظائف التعليم، كما أشار الوزير في ردوده على أسئلة أعضاء المجلس ومداخلاتهم، هي الخطوة الأساسية التي ينبغي أن تبني عليها وزارة التربية والتعليم سياستها لتطوير التعليم، فبدون الاهتمام بالمعلم.

وتوفير البيئة المناسبة له كي يؤدي رسالته السامية، وبدون احترام المعلم ودعمه مادياً ومعنوياً، تصبح أي خطة تطويرية للعملية التعليمية، معرضة للانتكاس والفشل، والعودة إلى المربع الأول، كما يحدث دائماً.

المجلس الوطني الاتحادي طالب في توصياته بإعادة النظر في الكادر المالي للمعلمين، بحيث يتضمن حوافز مالية ومعنوية متميزة تعادل الحوافز الموجودة في هيئات ومؤسسات الدولة الأخرى، وبدراسة منح المعلمة التقاعد المبكر، خاصة للأمهات اللواتي لديهن أطفال تحت سن العاشرة، كما طالب بدراسة آليات وخطط وزارة التربية والتعليم بشأن استقطاب الكوادر الوطنية، ورفع نسبة التوطين.

مطالبات نتمنى أن تتحول إلى حقائق على أرض الواقع، مكررين القول: استوصوا بالمعلمين خيراً، فهم عماد العملية التعليمية كلها.

 

Email