غزل الغرب مع الإرهابيين دعابة غير ظريفة

ت + ت - الحجم الطبيعي

بدأت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون الذين يدّعون العمل من أجل القضاء على «داعش» وإطاحة نظام الأسد، يفقدون مصداقيتهم. يبدو أن أجهزة المراقبة المتطورة التي يملكونها تقف عاجزة عن رصد الطوابير الطويلة من آليات الـ«هامفي» العسكرية والدبابات التي ترفرف عليها الرايات السوداء..

وتتنقّل بحرية تامة في مختلف أنحاء سوريا. كما أنهم لا يبذلون أي مجهود يذكر لتحرير الشعب السوري الذي يرزح منذ وقت طويل تحت وطأة المعاناة، من حاكمٍ ديكتاتوري قتَل نحو 200 ألف شخص من أبناء شعبه. إنه أمر لا يُصدَّق أن سلاح الجو الأميركي فشِل في وضع حد لحرب الاستنزاف التي لا تزال تستعر في بلدة كوباني السورية..

 حيث يحاول المقاتلون الأكراد تحريرها من قبضة التنظيم الإرهابي الأشد وحشية على وجه الأرض. وأمام هذا الواقع، لا يسعنا سوى أن نسأل:

لماذا تتردّد الولايات المتحدة التي شنّت حرباً واحتلت بلداً بكامله طيلة 13 عاماً للقضاء على أسامة بن لادن، في التحرّك من أجل اجتثاث إرهابيين سفاحين يتباهون بقطع رؤوس المواطنين الأمريكيين والبريطانيين؟

تُظهر الأدلة التي تتراكم يوماً بعد يوم، أن السياسة الرسمية الأمريكية حيال التنظيمَين الهمجيين ليست أكثر من مجرد واجهة لمحاولة استرضاء حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وخداع الشرائح الساذجة في الرأي العام العالمي التي لا تزال تؤمن بما يُسمّى القيم الأمريكية.

أرجو أن لا يكون هذا مجرد غطاء لعقد صفقات خلف الكواليس، بين الولايات المتحدة وإيران والنظام السوري، لإعادة خلط الأوراق الجيوسياسية في المنطقة على حساب دول المنطقة الأخرى. فعلى سبيل المثال، تتّجه وزارة الخارجية الأمريكية نحو وقف التمويل للجنة العدالة والمساءلة الدولية، التي تستعين بالاستخبارات البشرية لجمع أدلّة حسّية عن جرائم النظام السوري ضد الإنسانية.

وفي الوقت نفسه، تنفق مزيداً من المبالغ على البحث عن أدلة تثبت ضلوع تنظيم «داعش» في ارتكاب جرائم حرب، في خطوة يعتقد البعض أنها تهدف في نهاية المطاف إلى إنقاذ بشار الأسد وأزلامه الخاضعين للسيطرة الإيرانية من تقديمهم للمحاكمة.

في مختلف الأحوال، من يظن أن الخليفة المهرِّج أو المسؤولين في النظام السوري سيمثلون أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، إما يحلم وإما هو من النوع الذي يسهل خداعه. في حالة الأسد، ليست سوريا عضواً في المحكمة الجنائية الدولية، وبالتالي يبقى خيار واحد؛ صدور قرار عن مجلس الأمن الدولي.

وهذا أمر لا يتصور حدوثه، لأن موسكو بالتأكيد ستستخدم حق النقض لمنع إقراره. لكن دعونا نفترض جدلا أن الرئيس بوتين تخلّى عن حليفه السوري، ممهِّداً الطريق أمام صدور قرار بمثوله أمام المحكمة الجنائية الدولية، فهل تعتقدون حقاً أن المتّهمين سيحزمون أمتعتهم ويحجزون تذاكر سفرهم للمثول أمام العدالة في هولندا؟

لا بد من التذكير بأن «حزب الله» لا يزال يرفض تسليم أربعة مشتبه بهم مطلوبين من المحكمة الدولية على خلفية ضلوعهم في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري عام 2005. إذا كانت ميليشيا مسلّحة قادرة على تجاهل المحكمة من دون أن تواجه أي عقاب، فلا شك في أن الرئيس السوري سيفعل الشيء نفسه. أما بالنسبة إلى «الخليفة» وسفّاحيه..

فلا بد من أنهم سوف يسخرون من الفكرة. فمن يدفن الأطفال أحياء، ويقايض النساء بالأسلحة في سوق النخاسة، ويفجّر نفسه متسبباً في مقتل الأبرياء، لن يرتعد خوفاً من فكرة المثول أمام هيئة من القضاة على بعد آلاف من الأميال.

دعونا نواجه الأمر، ما الفائدة من تكليف منظماتٍ بمهمة جمع أدلة عن الجرائم المرتكبة في حين أن أشرطة الفيديو التي توثّق هذه الممارسات تحتل صدارة العناوين والأخبار ومواقع التواصل الاجتماعي، كما أن هناك عدداً كبيراً من الشهود الذين حالفهم الحظ وتمكّنوا من الهروب من براثن الإرهابيين؟

ربما نجحت القوى الغربية في تمرير هذا النوع من الخداع، قبل انتشار الإنترنت وظاهرة المواطن الصحافي المسلّح بهاتفه الخلوي الذي يلتقط من خلاله الصور ويسجّل مقاطع فيديو، لكن لحسن الحظ، لم يعد بالإمكان إخفاء الحقيقة في الوقت الحاضر.

والأسوأ من ذلك، أن الولايات المتحدة وسواها من الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، يبدو أنها تشيح بنظرها عن الدور التركي في السماح لتنظيم «داعش» بالحصول على موطئ قدم في سوريا. لا يخفى على أحد أن أنقرة تسمح باستخدام أراضيها لتأمين الإمدادات والعناية الطبية لتنظيم «داعش»، الذي يتلقّى مقاتلوه العلاج في المستشفيات التركية، لأسباب يصوّرونها بالإنسانية.

هل قلْب الرئيس التركي رجب أردوغان رقيق جداً إلى درجة أنه يرحّب بالقتلة والمغتصبين والمفجّرين والمعلِّقين على الصلبان وقاطعي الرؤوس ويُمتّعهم بحسن الضيافة؟ أيّ إنسانٍ هذا من يقدّم العون لحثالة من القتلة فيما لا يحرّك ساكناً لإنقاذ السوريين الأبرياء الذين يُذبَحون يومياً على مرمى حجر من حدود بلاده؟ علاوةً على ذلك..

لا يزال أردوغان يرفض الانضمام إلى الحملة التي يشنّها التحالف بقيادة الولايات المتحدة في سوريا والعراق، رغم المناشدات التي وُجِّهت إليه، لأنه يريد من التحالف أن يستوفي شروطه أولاً..

كما قال. وقد منع الولايات المتحدة وحلفاءها من استخدام قاعدة إنجرليك الجوية في تركيا، ولم يقدّم سوى تنازل وحيد تمثّل في السماح لمقاتلي البشمركة الكردية بعبور الأراضي التركية للتوجّه إلى كوباني.

يواظب الرئيس التركي بوتيرة شبه أسبوعية، على توجيه انتقادات لاذعة للعمليات التي تقودها الولايات المتحدة في سوريا. وهذا ليس بالأمر المفاجئ، لكنني لست أفهم لماذا يتعامل الغرب برفق مع هذا المارق الذي يدعم الإرهاب! لماذا لا تحاسب واشنطن ولندن وباريس والناتو الدولة التركية على تأمينها التسهيلات للمتطرفين غير المتّزنين عقلياً الذين يهدّدون المنطقة بكاملها، في حين يُفترَض أن تكون تركيا في الجانب نفسه مع تلك الدول؟

لم يتردّد هؤلاء الأفرقاء في فرض عقوبات على روسيا على خلفية موقفها من أوكرانيا، في حين أن تركيا التي تتواطأ علناً مع جماعة «الإخوان المسلمين» والتنظيمات التكفيرية التابعة لها، تمارس التعطيل والعدوانية في مواقفها من دون أن يتصدّى لها أحد.

على القادة العرب أن يتنبّهوا لما يجري، لم تعد القوى الغربية صادقة في مساعيها لتطهير منطقتنا من الإرهابيين. لا شك في أنهم يدغدغونهم ببضع قنابل ويهدّدون باقتيادهم إلى المحكمة الجنائية الدولية، لكن هذا كل شيء.

حتى إن المملكة المتحدة طلبت من دولة الإمارات تفسيرات حول أسباب ورود أسماء بعض المنظمات و«الجمعيات الخيرية» الإسلامية التي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها، على اللائحة السوداء للتنظيمات الإرهابية التي أصدرتها الإمارات مؤخراً، وكأن الحكومة البريطانية هي محامية الدفاع عن تلك المنظمات. يناشدون البلدان الإسلامية منذ سنوات اتخاذ تدابير حازمة لمكافحة الإرهاب، وعندما تتحرّك تلك الدول، يطرحون علامات استفهام حولها!

كفى! لقد طفح الكيل، وحان الوقت كي تتحرّك الجيوش العربية بطريقة مستقلة، دون انتظار الضوء الأخضر من الغرب الذي يملك أهدافاً غير شفّافة على الإطلاق. إنها منطقتنا..

وهذه معركتنا، لذلك علينا أن نأخذ زمام المبادرة بأنفسنا. تملك دول مجلس التعاون الخليجي وحلفاؤها، لا سيما الأردن ومصر، قوات عسكرية مجهّزة ومدرّبة كما يجب، ويمكنها، إذا رصّت صفوفها، أن تقضي نهائياً على هذه الأخطار التي تهدّد وجودنا. مجدداً أوجّه نداء قوياً إلى هؤلاء القادة للتنبّه إلى المخاطر؛ إنه من الضروري أن نقود الدفّة بأنفسنا، في معركة يجب الفوز فيها مهما كان الثمن.

Email