نحو رأب العلاقات العراقية العربية

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم تكن العلاقات العربية - العربية خالية من الشوائب في يوم ما منذ تأسيس الجامعة العربية، بل كانت تحكمها على الدوام سياسات المحاور التي سمحت بصعود مؤقت لأكثر من عاصمة عربية لمركز صياغة القرارات على مدى نصف القرن المنصرم، كانت العاصمة العراقية بغداد إحداها، بعد أن دخلت مصر في اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل عام 1978 ..

وتراجع دور القاهرة السياسي. غير أن العلاقات العراقية - العربية منذ ذلك الحين لم تعد جيدة، رغم الدعم الذي لقيه العراق من الدول العربية وخاصة الخليجية، في حربه الطويلة مع إيران. فقد تردت هذه العلاقات بشكل خطير، وتراجع دور بغداد في صياغة معالم السياسة العربية حين قام النظام العراقي السابق بغزو الكويت عام 1991.

ثم دخلت هذه العلاقات في طور جديد شابه الكثير من التعقيد والإشكالات والتوجسات، بعد الاحتلال الأميركي وسقوط ذلك النظام، وقيام الحكومات المتعاقبة في العراق بتشكيل تحالفات إقليمية أبعدت العراق عن محيطه العربي، وخلقت الكثير من الريبة لدى جيرانه العرب. وكان من أبرز تداعيات هذه العلاقات المتردية، التفريط في الأمن القومي العراقي إلى الدرجة التي سمحت بتسلل تنظيم داعش وسيطرته على مساحات واسعة من الأراضي العراقية.

العراق ليست لديه مشكلات أو خلافات حدودية مع الدول العربية الأربع التي يحاددها، سوريا والأردن والسعودية والكويت، وليست لديه مشكلات معلنة تتعلق بالنزاع حول الثروات في المناطق الحدودية مع هذه الدول، على عكس الحالة مع إيران، فالخلافات معها كثيرة لا تقف عند الخلافات الحدودية البرية والمائية، وإنما تتجاوز ذلك إلى خلافات حول عائدية أكثر من حقل نفطي.

والتغيير الذي جرى في أغسطس المنصرم في العراق، بتنحية نوري المالكي عن رئاسة الوزراء ومجيء الدكتور حيدر العبادي، لم يأت بتغيير في الوجوه قدر ما جاء بتغيير في النهج المتبع سياسيا في الداخل والخارج، وهو ما لقي ترحيبا سريعا في الأوساط العربية.

فهناك نهج بدأ يظهر للوجود، بعد أن تزايدت القناعات لدى الأوساط المتنفذة في العملية السياسية العراقية، بخطورة استمرار التشنج في العلاقات مع دول الجوار على أمن العراق، وأن إصلاح الخلل في هذه العلاقات جزء من استراتيجية التصدي لتنظيم داعش وطرده من الأراضي العراقية. وفي هذا السياق وُضعت الترتيبات لزيارة الرئيس العراقي فؤاد معصوم إلى السعودية..

حيث عبر كبار المسؤولين في البلدين استباقا لها، عن مواقف فيها قدر من الإيجابية لترطيب الأجواء بينهما، لإنجاحها كخطوة أولى نحو إعادة بناء الجسور بين البلدين. لكن وسائل الإعلام السعودية ترى أن هناك ما عكر هذه الأجواء الإيجابية..

وهو موقفان للعبادي أعارتهما السعودية اهتماما خاصا، أولهما الرسالة التي عكستها زيارته لإيران في أول زيارة يقوم بها إلى خارج العراق منذ تسلمه منصبه، مما سبب خيبة أمل لدى السعودية لم تخفها وسائل الإعلام، التي رأت أن هذه الزيارة لا تتماشى مع بوادر الاستقلال النسبي في القرار السياسي العراقي التي أظهرها العبادي بعد تسلمه منصبه..

وقد اعتبرتها وسائل الإعلام السعودية بمثابة رسالة تفيد بأن استراتيجيات التحالفات العراقية الإقليمية لن يطرأ عليها تغيير. أما الموقف الثاني فهو نقده لنائب الرئيس الأميركي بايدن، مستغربا تقديمه الاعتذار لكل من تركيا والإمارات والسعودية..

عن تصرحات سابقة أدلى بها متهما هذه الدول بدعم التنظيمات المتطرفة، مما أشعل غضبها. ولسنا هنا بصدد تقييم تصريحات نائب الرئيس الأميركي المتناقضة، التي تشير إلى مدى التخبط الذي تعاني منه الإدارة الأميركية في سياساتها الخارجية..

ولكن ما يعنينا في هذا الصدد هو أن نذكر بأنه كان من الحكمة أن تتجاهل الإدارة العراقية هذه التصرحات جملة وتفصيلا، وأن لا تعير أي اهتمام لأية تصريحات أخرى تعرقل مساعيها لتطبيع العلاقات العراقية – الخليجية، التي أصبحت من الأهمية بمكان بعد أن باتت مدخلا للعلاقات العراقية - العربية.

ورغم أجواء التفاؤل التي رافقت زيارة الرئيس معصوم للسعودية ولقاءه العاهل السعودي، بعد قطيعة بين بغداد والرياض دامت أكثر من عقدين من الزمن، إلا أن من خطل الرأي أن نبني الكثير من التوقعات على هذه الزيارة.

فالتباينات الكبيرة بين الطرفين في المواقف من قضايا هامة في المنطقة، أبرزها الموقف السعودي المتحفظ من التغيير الذي حصل في العراق منذ سقوط النظام السابق، والموقف من النظام السوري، والتباين في المواقف التي تتعلق بالتحالفات الاستراتيجية في المنطقة، لا يمكن أن تتم تسويتها إلا من خلال سلسلة من المواقف والإجراءات التي من شأنها أن تعيد الثقة بين الطرفين، على أسس من التفهم لمصالح كل طرف.

التفاؤل بما ستتمخض عنه هذه الزيارة، سيكون في محله إذا تبعتها خطوات فعلية، أبرزها إعادة فتح السفارة السعودية في بغداد، وتوجيه دعوة لرئيس الوزراء العراقي لزيارة الرياض، خاصة أنه سبق أن أعلن في الثاني والعشرين من سبتمبر المنصرم عن استعداده لزيارة السعودية لفتح صفحة جديدة في العلاقات.

وهي خطوات ستكون بمثابة رفع للتحفظ على النظام القائم في العراق منذ عام 2003، وهو أكبر العقبات في طريق تطبيع العلاقات بين البلدين.

 

Email