أسلحة الدمار الشامل.. الحقيقية

ت + ت - الحجم الطبيعي

في أغسطس عام 1945 أثناء الحرب العالمية الثانية، قُصفت مدينتا هيروشيما وناغازاكي.

من منا لا يعرف أشهر المدن اليابانية، وإن كان هناك الكثير ممن يعرفون هاتين المدينتين جيداً، رغم أنهم لا يعرفون اسم عاصمة اليابان ولم يقوموا بزيارتها مسبقاً! قنبلتان نوويتان قتلتا ما يصل إلى 140 ألفاً في هيروشيما و80 ألفاً في ناغازاكي، ولكن صمدت اليابان وعاصمتها ومدنها الباقية والمدينتان المنكوبتان ككيان واحد، شعبٌ وأرضٌ وقيادة، رغم ما سمى في ذلك الوقت «أسلحة الدمار الشامل».

«الولد الصغير» هو ما سُميت به القنبلة النووية التي قُصفت بها هيروشيما، «والرجل البدين» كان مسمى قنبلة ناغازاكي.

وعلى النهج نفسه كان هناك مسمى السلاح الذي استُخدم في قصف وطننا العربي، مع وجود فرق شاسع في طريقة القصف، فقد قصفت هيروشيما وناغازاكي من ارتفاع يزيد على عشرة آلاف قدم، أما قصفنا فكان من داخل الدول نفسها، وباستخدام مقوماتها ومواردها، وأطلقوا عليه اسم «الربيع العربي».

في اليابان، وبعد مرور أكثر من ستين عاماً على استخدام أسلحة الدمار الشامل التقليدية، نكتشف أنها ليست أسلحة دمار شامل، فقد تصلح تسميتها بأسلحة نووية أو كيميائية أو غير ذلك، عدا عن أن تسمى أسلحة دمار شامل.

لأن أسلحة الدمار الشامل استُخدمت فقط في قصف الوطن العربي، ولكنها ليست أسلحة نووية أو قنابل عنقودية أو أسلحة كيميائية، كالتي تستخدم في نظام الحروب التقليدية ويروح ضحيتها البشر.

ولأنها حرب كبرى وأسلحتها فتاكة ومدمرة بالكامل، فقد احتاج التحضير لها وصنعها وقتاً غير قليل.. إنها الدعوة التي أطلقت ذات يوم تحت مسمى الشرق الأوسط الجديد، حيث جاءت الدعوة من باقات الورد وهدايا الميلاد ونسمات الحرية والديمقراطية والعدالة، مستهدفةً أوطاننا وشعوبنا بمشروعٍ ظاهره الرحمة، وباطنه من قبله العذاب.

ولم يدم الأمر كثيراً حتى برزت ثماره في ربيع عام 2011، عبر حراك جماهيري غير محدد الهوية ولا معروف الهدف، كان أقرب للتوهان منه إلى الرشد.. إنها ثورات الهدم لا البناء، وانطلقت بِشرّها تعم دولنا، تحرق ثرواتها وتقضي على حضارتها، وقودها الشعب الذي أعد وغيب ليكون سلاحاً، وجرت مسرعةً بدولنا حمالةً شاراتها وشعاراتها؛ الشعب يريد الإسقاط، فسقط كل شيء وأولُها الشعب، في أزمات ومشكلات وصراعات ونزاعات أصبحنا حبيسين لها وغير قادرين على الخروج منها.

هي أسلحة متطورة ومبتكرة وفاعلة، تستهدف كيان الدول وتماسك مجتمعاتها، وتعمل على تقسيم المجتمع بين شعبٍ وقيادةٍ وسلطة، وهكذا يهدم ما يسمى الوطن وتُهد أركانه.

أسلحة الدمار الشامل هي بالفعل استحقت هذا الاسم، لأن دمارها يشمل كل ما على أرض الوطن الذي تم قصفه، فلم يبق هناك شعبٌ واحد ولا قيادة واحدة ولا جيش واحد، وستُفكك وزاراته ومؤسساته، وستشل أجهزته وهيئاته ومنشآته.

انقسم الشعب إلى فئات وطوائف، وتبعثرت جهود ومؤسسات الدول، وضُيعت الثروات وهدمت الإنجازات وأسقطت المنجزات، وتم تمزيق هذا الكيان بين من كانوا يوماً أبناء وطن وأمة واحدة. قُتل من قُتل وشُرد من شُرد ودُمر ما دُمر، وبكل بساطة وعداوة وقسوة، انتُزعت منا الهوية الوطنية وروح الأمة وفداء الأوطان... ألم أقل لكم إنها أسلحة دمار شامل حديثة ومبتكرة!

سُلب الوطن من كل حقوقه، ونهبت منه كل موارده، وضيعت طاقاته وكفاءاته وكوادره.. مُسح التاريخ وسحقت الحضارة وهدم المستقبل. بدأ تهجير البشر، وسُرق ما بقي من آثار ليُعرض في متاحف الغرب ويدفع العرب الثمن.

هدمت المدارس والجامعات، وما بقي منها سليماً فهو يستخدم ملجأً تحت إشراف مؤسسات دولية، وحُوِل الشعب إلى أحزاب وفئات وطوائف تتناحر فيما بينها، ليصلوا يوماً قد يأتي، لما يسمى بحضارة الديمقراطية، فالغرب أفهم من العرب، يأتي سفير ويذهب آخر ليرسل مبعوثاً يناقش مستقبل الوطن العربي.

نعم.. الغرب سوف يحرركم، ولكن يجب أن تهدموا كل ما بُني ونبدأ من الصفر، لتبنوا من جديد هذا الكيان، ولكنه يجب أن يكون بتصميم وفكر وعلم وتاريخ غربي بحت، وخيرات هذا الوطن تُسلم على مدى أعوام عديدة ليتسنى دفع حسابٍ كبير لهم، فالديمقراطية لا تأتي إلا بدفع الثمن.

دُمرت الأوطان بوعودٍ زائفة، ودعاوى العودة لأحسن حال بعد الانتهاء من قصف الوطن، ويعود الأمر من البداية بوجود مواصفات الدول، من شعب وأرض وقيادة، تتلاحم مع بعضها وتُنشئ الوطن.. نعم، قد وُجد البشر ووُجدت الأرض، ولكن بعد ما مُزق محتوى الفكر.

هذا هو ما قُصفت به الدول العربية من أسلحة الدمار الشامل الحديثة، عملٌ يستهدف هدم الدول وليس قتل البشر، لتنعدم بعدها فاعلية هذا النوع من البشر، فمن لا وطن له ولا كيان فكيف سيكون له مكانٌ بين الأمم!

وبعد مرور أربعة أعوام على قصف وطننا العربي بهذا السلاح الحديث، وإعطائه الاسم الرقيق الجميل «الربيع العربي»، لم نرَ حتى الآن هذه الدول مثل ما نرى اليابان، فقد غزت العالم بتطورها وبقيت كياناً ودولة، ربما لأنها قصفت بقنبلة نووية وليس بسلاح الدمار الشامل الذي قُصفت به الدول العربية.

مؤخراً قرأت عبارة قصيرة جداً استوقفتني كثيراً، صدمتني رغم بساطتها في التعبير عن واقعنا وما نعانيه، فقد رأيتها اختزلت الكثير مما نحن بحاجة إليه في عالمنا العربي، لصد هذا العدوان وتلك الحروب التي باتت تشن علينا من كل مكان، ولتجنب آثار ودمار أسلحتهم الفتاكة ونواياهم الهدامة: «حافظوا على أوطانكم.. فإن الحياة بلا وطن مهينة».

تأملوها جيداً.. إنها الدرع الواقية لأوطاننا، والحارس الأمين لوحدتنا ونهضتنا وحضارتنا وتقدمنا. حفظ الله وطننا وأمتنا.

 

Email